قروناً كثيرة قبل أن يقيموا حضارة على أنقاض الحضارة اللاتينية، ويخرجوا من ظلمات القرون الوسطى.
ونحن، قبل أن نوضح -بما لدينا من الوثائق والآثار الضئيلة- ما كانت عليه حضارة العرب قبل ظهور محمد، نرى تلخيص ما نعرفه عن تاريخهم القديم بما يأتي.
[(٢) تاريخ العرب قبل ظهور محمد]
للعرب ما قبل تاريخهم مثل ما للأمم الأخرى.
أثبت البحث فيما تركه الأجداد في طبقات الأرض من بقايا الأسلحة والأدوات والمساكن أنه وجد قبل الزمن القصير الذي يبحث التاريخ في حوادثه ملايين السنين التي جهل الإنسان فيها أمر المعادن والزراعة وفن ترويض الحيوان، والتي لم يكن له فيها غير الصوان سلاحاً، ويسمى ذلك الدور الكبير بالعصر الحجري، وعثر علماء الآثار القديمة في جزيرة العرب وأوربة وأمريكية، وفي كل مكانٍ على آثار لذلك العصر الحجري.
ودلت تلك البقايا التي وجدت في طبقات الأرض على تماثل الأمم في العصر الحجري؛ وبتلك البقايا يسهل تصوير طرق المعايشة والتفكير عند أجدادنا الأقدمين، وقد أفضت في درس هذا الموضوع في كتابي الأخير، فلا أرى الآن فائدةًّ في العودة إليه.
ولا ترجع أقدم روايات جزيرة العرب إلى ما قبل إبراهيم، ولكن علم اللغات يثبت أن أمماً ذات لغة واحدة كانت تسكن البقاع الواقعة بين القفقاس وجنوب جزيرة العرب، وإن لم يكن عرق هذه الأمم واحداً، ودل درس اللغات السامية على أن لغات تلك الأمم، وهي العبرية والفينيقية والسريانية الآشورية والكلدانية والعربية، وثيقة القربى متحدة الأصل.
ونحن نجهل درجة تأثير البيئات وطرق المعايش في اختلاف تلك الأمم مع اتحاد عرقها الذي تكلمنا عنه، ولا نستطيع غير تقرير قرابتها من العرب، والعرب وحدهم هم الذين نبحث الآن في شؤونهم.
ومصادر تاريخ العرب قبل ظهور محمد هي كتب العبريين، وروايات العرب والنصوص القليلة التي وردت في كتب بعض مؤرخي اليونان واللاتين، وما جاء في الخطوط الآشورية، وما أسفرت عنه الاكتشافات التي تمت في موقع الصفا القريب من دمشق.