وتعترف كتب العبريين بقرابة العرب من العبريين، وتعد العرب أقدم من العبريين، وتقص علينا الشيء الكثير من أنباء نزاع العرب الدائم، وتكاد تطفح من أخبار العمالقة ومدينيي جزيرة سيناء، وأهل سبأ الذين كانوا يقيمون بجنوب جزيرة العرب.
ويروي العرب وكتب اليهود مصدر روايتهم، أن قحطان وإسماعيل ابن هاجر، جارية إبراهيم المصرية، هما والدا العرقين اللذين عمرا جزيرة العرب في الأصل، أي والدا أهل الحضر في الجنوب والأعراب في الشمال، ويروون أن بني قحطان أقاموا دولة سبأ والدولة الحميرية باليمن، وأن بني إسماعيل سكنوا الحجاز القريبة من فلسطين، وأن بني إسماعيل كانوا أصحاب مكة التي تنازعت هي وصنعاء اليمن عنوان عاصمة جزيرة العرب.
وعلى ذلك يكون الأنباط والأدوميون والموءابيون والعمالقة والعمونيون والمديانيون وغيرهم من القبائل التي تردد اسمها كثيراً في التوراة من بني إسماعيل، ويظن أن هذه القبائل من العمالقة تحالفوا هم وأعراب سورية، واستولوا على مصر سنة ٢٠٠٠ قبل الميلاد، وعرفوا بالرعاة ودام سلطانهم قروناً كثيرة.
وتجمع العمالقة والأدوميون والموءابيون والعمونيون في بلاد الحجر العربية (بطرا) وفي جزيرة العرب الصحراوية، وصار من دأبهم محاربة العبريين، وحالوا دون دخول العبريين أرض كنعان زمناً طويلاً، ولم يتم إخضاعهم نهائياً، ولوقتٍ قصير، إلا في زمن داود وسليمان.
ولم تحدثنا التوراة عن غير أعراب حدود فلسطين، ولم تخبرنا بشيء عن عرب اليمن المتحضرين خلا ما جاء فيها عن زيارة ملكة سبأ للملك سليمان.
وتحدثنا آثار الآشوريين عن عرب الشمال فقط، أي عرب سورية وما جاورها، وذكر العرب قبل الميلاد بتسعمائة سنة في بلاغ سلما نصر الثاني، وأدت ملكتان عربيتان فروض الطاعة إلى تيغلاتفا نصر قبل الميلاد بنحو ثمانمائة سنة، ورفع أسر حدون أميرةً عربية نشأت في بلاد نينوى على أحد العروش، واستعان أخو آشور بانيبال بجيوشٍ عربية عندما رفع راية العصيان.
وعلى ما في تواريخ العرب من غموضٍ ومبالغاتٍ تجعل الاعتماد عليها أمراً صعباً نراها وحدها قد قصت علينا أنباء جزيرة العرب الماضية، وأيدت ما رواه مؤلفو اليونان واللاتين عن عظمة اليمن، ومما جاء في هذه الأنباء العربية أن اليمن كانت مقراً لأقوى دول الأرض، وأن حكم ملوكها دام ثلاثة آلاف سنة، وأنها غزت بلاد الهند والصين من المشرق، وبلغت بغزواتها مراكش من المغرب.