للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يرجع ما علمناه من مؤلفات اليونان واللاتين من الأنباء الصحيحة عن تاريخ بعض جزيرة العرب إلى ما قبل الإسكندر، ويمكن تلخيصه فيما يأتي: عزم الإسكندر على فتح جزيرة العرب التي كان الأغارقة يعرفون غنى سكانها قبل الميلاد بأربعة قرون، وكانت الغزوة التي قام بها نيارك حول جزيرة العرب نذير تصميم الإسكندر على غزوها، ونجت جزيرة العرب من غزو الإسكندر بسبب موته، وأضحت البقاع القريبة من حدود مصر وفلسطين، والتي كان العرب يسكنونها، من نصيب بطليموس حين قسمت دولة الإسكندر، وشايع الأنباط بطليموس على أنتيغون الذي فتح أحد قواده الماهرين بلاد الحجر (بطرا) بغتةً بعد أن أصبح سيد سورية وفينيقية، وأباد الأنباط بعدئذٍ جيش أنتيغون المؤلف من ٤٦٠٠ جندي فساق إليهم جيشاً آخر بقيادة ابنه ديميتريوس، وخاطب عرب بلاد الحجر (بطرا) -كما روى ديودرس الصقلي- الأمير ديميتريوس عند بلوغه ديارهم بما يأتي: «لماذا تحاربنا أيها الملك ديميتريوس، ونحن من سكان الصحاري التي لا تسد فيها خلة، ترانا نقطن في هذه البقاع القاحلة فراراً من العبودية، أقبل هديتنا وأرجع إلى حيث كنت، سنكون من أوفى الأصدقاء لك، ولكنك إذا رغبت في حصرنا حرمت كل هناءة، ورأيت عجزك عن إكراهنا على تبديل طرق حياتنا التي تعودناها منذ نعومة أظفارنا، وإذا قدرت على أسر بعضنا أيقنت أنك لن تجد واحداً ممن أسرت يستطيع أن يألف حياة غير التي ألفناها».

هنالك رأي ديميتريوس أن يقبل هدية الأنباط، وأن يرضى بالمآب خاتماً بالسلم حرباً أبصرها مملوءة بالمصاعب.

وكانت قبائل البدو، حتى التاريخ الميلادي، تنضم في الحروب الكثيرة، التي تهلك الحرث والنسل في تلك البقاع، إلى المصريين تارة وإلى السوريين تارة أخرى، ثم أثارت غاراتهم وقطعهم للسوابل غضب قياصرة الرومان الذين كان سلطانهم يمتد إلى الفرات، فجردوا على عرب بلاد الحجر (بطرا) حملاتٍ كثيرةً لم تنتج غير حملهم على دفع الجزية أو وقف العداء إلى حين، وكانت طريقة أولئك الأعراب في الغزو مثل ما يفعلون اليوم، أي كانوا يغيرون على العدو بغتةً ثم يفرون إلى البادية عند المطاردة.

وإذ كانت خيالات الأغارقة والرومان تتأجج طمعاً في ثروة جزيرة العرب ساق أغسطس إلى اليمن جيشاً لم يلاق غير الحبوط التام، وفي عهد طيباريوس وحده استطاع الرومان أن يفتحوا من بلاد العرب جزيرة سيناء التي كان سكانها من الأعراب تقريباً، فأضحت مدينة الحجر (بطرا) بذلك بلدةً رومانية زاهية كما تدل عليه بقاياها.

<<  <   >  >>