إن مما يستوقف النظر ما نراه من التضاد بين ثبات نظم الشرقيين، وتسليمهم بالأمر الواقع الذي ليس له دافع، والإخاء السائد لمختلف طبقاتهم من جهةٍ وثَوْرات الأوربيين الدائمة وهرجهم وتنازعهم الاجتماعي من جهة أخرى.
وأظهر ما يتصف به الشرقيون: هو أدبهم الجم، وحلمهم الكبير، وتسامحهم العظيم نحو الناس والأموال، ودعتهم ووقارهم في جميع الأحوال، واعتدالهم الكثير في الاحتياج، وقد منحهم إذعانهم الهادئ لمقتضيات الحياة طمأنينةً روحية قريبة من السعادة المنشودة على حين تورثنا أمانينا واحتياجاتنا المصنوعة قلقاً دائماً بعيداً من تلك السعادة.
ومن السهل ذم ذلك التسليم الفلسفي وبيان محاذيره، ولا ينكر، مع ذلك، أن المفكرين الذين درسوا تقلبات الأمور لم يُوفقوا بعد لاكتشاف ما هو أكثر ملاءمةً لحكمة الحياة، فلا يجوز، والحالة هذه، ازدراء مزاجٍ نفسي يمنح المرء سعادة وطمأنينة وإن لم يساعد على تقدم الحضارة في كل وقت.