مدينة طليطلة القديمة الحاضرة صورة صادقة لما كانت عليه المدن الأوربية في القرون الوسطى، وما هو ماثل فيها الآن من الكاتدرائية الفخمة ودير سان جوان دولوس ريس يكفي لشهرتها، فإذا استثنيت هذين الأثرين رأيت في كل خطوة منها ما يساعد على درس تأثير العرب في الأمم التي حلت محلهم.
ولا يزال يحيط بطليطلة حصونها وأبراجها العربية، ونذكر من أبوابها القديمة باب بيزاغرة (باب شقرة) الشهير الذي أنشئ في القرن التاسع من الميلاد، وباب الشمس الشهير الذي أنشئ في القرن العاشر من الميلاد فيصعب علي أن أعده، كما عده غيري، من الآثار التي شيدت على الطراز البيزنطي، وذلك لشكله العربي العام، ولا يرى فيه من الأقواس والزخارف العربية.
وأذكر من المباني العربية في طليطلة، أو المباني العربية اليهودية فيها، سنتا ماريا لا بلانكا، أي الكنيس القديم الذي بني في القرن التاسع.
ويعد بالألوف ما تم في طليطلة من ضروب الزخارف على يد عمال من العرب كانوا من رعايا النصارى قبل إجلاء العرب العام الذي حدث بعد فتح النصارى لجميع بلاد إسبانية، وإلى هؤلاء العمال العرب يعود الفضل فيما ترى من دقائق النقوش والزينة في مباني طليطلة التي شيدت على الطراز الرومني أو الطراز القوطي، وقد نشأ عن هذا المزج بين الطراز العربي والطراز النصراني ذلك الطراز الذي يسمى المدن، والذي اتصل أمره في إسبانية زمناً طويلاً، والذي لم يعف أثره فيها كما تشهد بذلك بعض الأبنية التي شيدت في إشبيلية حديثاً.
[(٤ - ٣) المباني العربية في إشبيلية]
يرى في إشبيلية، كما يرى في طليطلة، أثر للعرب في كل خطوة، وإن كان ذلك بمعنى آخر، فإذا نظرت إلى أكثر بيوت إشبيلية العربية العصرية رأيته مبنياً على الطراز العربي، وإذا نظرت إلى الرقص البلدي والموسيقا المحلية في إشبيلية رأيتهما على النهج العربي، وإذا نظرت إلى نسوة إشبيلية، على الخصوص، رأيت الدم العربي يجري في عروقهن.
وإن البرج المسمى لاجيرالدة (برج لعبة الهواء) هو أقدم المباني العربية في إشبيلية، وهو بناء جميل مربع مبني من الأجر الوردي، وهو يشابه برج مار مرقس في البندقية