لم يتكلم محمد عن بعثته إلا بعد بلوغه الأربعين من عمره، فبعد أن كان قائماً يتحنث على جبل حراء، الذي يبعد ثلاثة أميال من مكة، مثل ما كان يفعل في كل سنة، جاء خديجة ممتقعاً وأخبرها، كما روى مؤرخو العرب، بأنه بينما كان تائهاً في الجبل إذ سمع جبريل يقرع أذنيه بقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل»، كما أخبرها بأن هذا كلام إلهي، وبأنه يشعر في نفسه بقوة نبوية.
ولم تتردد المرأة المطيعة، خديجة، في تصديق بعثة زوجها النبوية، وانطلقت إلى ابن عمها ورقة، وكان على جانب من العلم، وقصت عليه ما سمعت، فقال:«قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران، وإنه لنبي هذه الأمة.»
ورجعت خديجة إلى محمد، وأخبرته بقول ورقة، واطمأنت نفسه، فطاف بالكعبة سبع مرات، ثم انصرف إلى منزله، ثم تواتر الوحي عليه كما ذكر أبو الفداء.
ولم ينذر محمد، في السنين الثلاث الأولى من بعثته، غير عشيرته الأقربين الذين كانوا، على العموم، من ذوي النفوذ والوجاهة بسبب مقامهم وأعمارهم، فلما اطمأن إلى جوارهم جهر بدعوته، وأخذ يحمل على الإشراك الذي كان مركزه في بيت آلهة جزيرة العرب المقدس، الكعبة، كما ذكرنا ذلك.
ولم يكتب له التوفيق في بدء الأمر، وكان الناس يسخرون منه، ولكن سخرية سدنة الكعبة، قريش، لم تلبث أن انقلبت إلى غضب على محمد، وتهديد له ومن والاه بالقتل.
ولم يفل ذلك من عزم محمد، وقد قال، كما ذكر أبو الفداء:«لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر.»
هنالك فكرت قريش في اضطهاد محمد، ولم يمنعها من القضاء عليه غير ما تعودته الأسر العربية من إجارة أبنائها، وما كانت تراه من تعريض قريش لأثار عشيرة محمد الأقربين الكثيرين.
ولذلك أمكن محمداً أن يواصل دعوته، وأن يزيد عدد أصحابه من غير أن يصيبه أذى كبير، ثم هاجر هؤلاء الأصحاب إلى الحبشة، لما لم يلاقوا من جوار كما لاقى محمد.
وروى مؤرخو العرب أن ملك الحبشة سأل هؤلاء المهاجرين عن دينهم الجديد، فأجابه جعفر ابن عم محمد بما يأتي: