ووجوههم ذات صلود وعبوس مما لا يرى مثله في وجوه عرب الشمال الطليقة، ولا يؤخذون بدوافع الساعة العتيدة، وإذا ما ساروا فبعد تفكير وإنعام نظر.
ويقدرون بإرادتهم القوية وثباتهم وجلدهم على تنظيم شؤونهم الاجتماعية والسيطرة على جيرانهم مع ما فيهم من الذكاء المحدود، ولا ريب في أنهم سينتصرون، بفضل اتحادهم المتين، على أعدائهم الذين أضعفهم انقسامهم، وأن سيادة القسم الأعظم من جزيرة العرب ستكون لدولتهم الوهابية، وأن أطماعهم وآمالهم ستتحقق في أقرب وقت.
وتتجلى أخلاقهم في أدق شؤون حياتهم الأهلية، ويجب على من يرغب في مفاوضتهم ألا يسترسل في كلامه، وأن يزن حركاته كما يفعل عندما يحادث أعداءه.
[(٥ - ٢) عرب سورية]
عرب سورية، كعرب الجزيرة، أهل حضر يسكنون المدن، وأعراب يقيمون بالبادية، ولم يكن في السيطرة المتتابعة التي أصابت سورية ما يتوجع منه أعرابها الذين لا يزالون يعتمدون في معايشهم على النهب وتربية المواشي منذ ثلاثة آلاف سنة، ونحن إذا ما استثنينا المدن نرى سورية قبضتهم بالحقيقة، فهم يهاجمون فيما وراء نهر الأردن، وفي أبواب دمشق نفسها، السياح والقوافل التي لم تؤد إليهم الفدى في مقابل خفرها وحمايتها والسماح لها بالمرور، وتجتمع في أعراب سورية صفة الشره وصفة الكرم المتناقضتان اللتان ألمعنا إليهما فيما تقدم، ويقدسون الضيف ما دام نزيلهم.
ولم يقدر أحدٌ على إلزام أعراب سورية بترك البادية التي تعودوا العيش فيها منذ قرون، وقد رفضوا كل أرض عرضت عليهم ليستقروا بها، وامتنعوا عن أي عمل زراعي.
ونرى في سورية، بجانب الأعراب الذين يدينون بدين محمد، قبائل ذات شعائر وعقائد مختلفة يسهل تمييز بعضها من بعضٍ؛ لعدم توالدها فيما بينها، وأهمها المتاولة والنصيرية والموارنة والدروز.
فالمتاولة: قبائل عربية جبلية تعيش في اعتزال، وهم من مسلمي الشيعة المتعصبين الذين يأبون تناول الطعام مع أي أجنبي كان، ونرى من أوصافهم أنهم مزيج من