إننا إذا استثنينا مصر التي تعد من الشرق عادةً نرى أنه يسكن شمال إفريقية أناسٌ منتشرون إلى ما بعد خط الاستواء من بعض النقاط، يدينون بدينٍ واحد وإن لم تجر دماء العرب في عروقهم بصورة مطلقة، متمازجون من البربر والعرب والزنوج، وفي مراكش، على الخصوص، يتجلى هذا التمازج الذي يزيد كلما دنونا من خط الاستواء.
ويختلف بربر إفريقية عن العرب كثيراً، وسنتكلم عنهم مفصلاً في الفصل الذي خصصناه للبحث في تاريخ عرب إفريقية، فلا نبحث فيهم الآن.
وعرب إفريقية أهل بدوٍ وأهل حضر كعرب الأقطار الأخرى الذين تكلمنا عنهم، وهم نتيجة اختلاط أعقد مما في أي مكان آخر، وأهل مدنهم الساحلية الذين ننعتهم بالعرب هم، على الخصوص، مزيج من القرطاجيين والرومان والوندال والأغارقة والبربر والعرب والترك والأوربيين والزنوج وغيرهم من الآدميين الذين تلاقوا في تلك السواحل والبقاع، وشاهدت في سواحل إفريقية الشمالية جميع المثل التي تترجح بين زنوج السودان والحور العين، وليس من الصواب أن يناط عرب الجزائر بمثالٍ واحد أو ببضعة مثل كما فعل ذلك حديثاً أحد علماء وصف الإنسان الذي لم يأت بغير بحث سطحي عنها.
ولم يكن العربي الجزائري غير مولدٍ بالحقيقة ونرى فيه أحط صفات المولدين، وحضريو العرب من سكان مدن الجزائر نتيجة تمازج تلك الأمم، وقد حطتهم سيطرة الأجنبي المتتابعة، وأعرابهم متمردون على كل حضارة كأهل البدو في كل قطر، وهم أقل تمازجاً وانحطاطاً من حضريي العرب.
ويجمع أولئك الحضريون والأعراب على مقت الأوربيين القاهرين لهم وحقدهم الشديد عليهم، ويضحي الجزائري، الذي نصفه بالخلي المتردد المكسال القانع الوضيع المتزيِّد، بماله ونفسه، ويشترك في كل عصيان وتمرد؛ للخلاص من حكم الأجنبي الذي فتح بلاده، وقد تتم إبادة عرب الجزائر بوسائل منتظمة كالتي اتخذها الأمريكيون لإبادة أصحاب الجلود الحمر، ولكن الذي أعتقده هو أن الفرنسي لن يستطيع حمل الجزائري على التفرنس، وأن من المتعذر أن يسود السلام في قطرٍ واحد بين العرب والفرنسيين الذين ينتسبون إلى عرقين مختلفين، وقد سمعت هذا الرأي، الذي يجتنب تدوينه في الكتب عادةً، من جميع أولي البصائر في الجزائر، وإني أوافق عليه موافقة تامة.