كان سلطان العرب السياسي في أواخر القرن الحادي عشر من الميلاد، أي في الدور الأول من الحروب الصليبية، في طور الانحطاط، وإن لم يذو نفوذ اسمهم في العالم، فقد كانت إفريقية وإسبانية قبضتهم، ولم يتقادم بعد الزمن الذي كانوا فيه سادة البحر المتوسط وسادة جزء من فرنسة وملوكاً لصقلية، والذي أوغلوا فيه حتى رومة فأكرهوا البابا على دفع جزية إليهم، ولم يصل قياصرة الرومان في إبان مجدهم إلى ما وصل إليه اسم محمد من إلقاء الرعب في برابرة أوربة، فهجوم أوربة النصرانية على الإسلام الذي كانت فرائص العالم ترتجف فرقاً منه منذ خمسة قرون، وذلك في عقر داره، من الأعمال العظيمة التي كانت تتطلب حماسة دينية بالغة، واعتماداً كبيراً على الرب، وجيشاً مؤلفاً من مليون جندي.
وكل يعلم كيف أجاب العالم النصراني دعوة ذلك المجذوب، وكيف انقضت أمم على الشرق، وكيف أن سوق تلك الجيوش الهائلة لم يؤد إلى غير نصر وهمي، وكيف فلت عزيمة مجاهدي النصارى الذين لم ينقطع سيلهم مدة قرنين من أجل فتح القدس، والمحافظة عليها أمام هلال الإسلام.
واصطلح الناس على تسمية ذلك الصراع بين النصرانية والإسلام بالحروب الصليبية، وكان لتلك الحروب نتائج مهمة في تاريخ حضارة أوربة العام، وليس من الجائز أن