للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نصمت عنها إذن في هذا الكتاب الذي لم نقتصر فيه على بيان حضارة العرب وحدها، بل عزمنا فيه على درس تأثيرهم في العالم أيضاً.

ولنقل كلمة عن حال الغرب والشرق في زمن الحروب الصليبية.

كانت أوربة، ولا سيما فرنسة، في القرن الحادي عشر الذي جردت فيه الحملة الصليبية الأولى في أشد أدوار التاريخ ظلاماً، وكان النظام الإقطاعي يأكل فرنسة، وكانت مملوءة بالحصون التي كان أصحابها، وهم من أنصاف البرابرة، يقتتلون دائماً ولا يملكون سوى أناس من العبيد الجهال، ولم يكن في ذلك الحين نفوذ شامل لسوى البابا، وكان الناس يخشون البابا أكثر من احترامهم له.

وكانت دولة الروم في الشرق قائمة، وكانت القسطنطينية، مع انحطاطها، عاصمة لدولة كبيرة، وكانت ميداناً للمنازعات الدينية وأنواع المشاحنات، وكانت تخسر كل يوم جزءاً من أملاكها، فضلاً عن انطفاء سلطانها في إيطالية، وكان كل من بابا رومة وبطرك بيزنطة قد حرم الآخر فصار للنصارى كنيستان.

وكان قسم من سورية تابعاً للترك السلجوقيين، وكان القسم الآخر تابعاً لسلاطين مصر، ولم يكن الخليفة ببغداد غير شبح، وكانت دولة العرب السياسية في دور الانحلال مع محافظة حضارتهم على سلطانها، ولم يكن الصراع العظيم الذي كان يتمخض عنه العالم، إذن، غير نزاع عظيم بين أقوام من الهمج وحضارة تعد من أرقى الحضارات التي عرفها التاريخ.

وكانت الصلات بين أوربة والشرق مقصورةً على زيارة حجيج النصارى لفلسطين في ذلك الدور، وواظب النصارى على زيارة فلسطين مع زيادة منذ زمن قسطنطين، ولا سيما منذ كنت العلاقات بين هارون الرشيد وشارلمان.

وزاد عدد زيارات النصارى لفلسطين مع الزمن، وكان يتألف من بعض قوافل حجاج النصارى جيش حقيقي، ومن ذلك أن استصحب الأب ريشارد سبعمائة حاج في سنة ١٠٤٥ م، ولم يستطع أن يصل إلى ما هو أبعد من قبرس، ومن ذلك أن رئيس أساقفة مايانس، سيغفروا، وأربعة أساقفة يقودون قافلة من سبعة آلاف حاج في سنة ١٠٦٤ م ومشتملة على بارونات وفرسان، فحاربت هذه القافلة الأعراب والتركمان.

وما كان يعتور زيارات القدس من المصاعب والمخاطر أوجب فض الإكليروس لها عادين إياها مكفرةً عن أسوأ الجرائم، وما كان عدد أكابر المجرمين قليلاً في ذلك الزمن، وما كان خوف جهنم والشيطان ضئيلاً في نفوس البرابرة، فزاد عدد الحجيج

<<  <   >  >>