لهذا السبب، وأنت إذا ما عدوت بعض المغامرين والأتقياء الحمس وجدت أولئك الحجاج مؤلفين، على العموم، من أسفل المجرمين المفطورين على أخطر الجرائم، والذين ما كان غير الفزع من النار ليدفعهم إلى قصد تلك البلاد البعيدة.
شكل ٨ - ١: باب دمشق في القدس (من صورة فوتوغرافية).
وكان عدد حجيح النصارى يزيد كل يوم، وكان ضجيجهم يزيد على ما كان عليه، وكان التركمان الذين قاموا مقام العرب في سورية أقل تسامحاً من العرب، فجادل هؤلاء التركمان أولئك النصارى في حق المرور من وسط البلاد الإسلامية بلا إذن إيفاء لزيارة بيت المقدس، وأكرهوا حجيج النصارى على دخول القدس بخشوع بدلاً من أن يسمحوا لهم بدخولها ظافرين على صوت الصنوج وضوء المشاعل كما كان العرب يسمحون به، وأخذوا يحملونهم على دفع الفدي غير تاركين وسيلة لإيذائهم إلا أتوها.
وحدث أن جاء لزيارة بيت المقدس جندي قديم كان قد ترهب بعد أن طرأ على حياته الروحية ما كدر صفوه، وكان اسم هذا المجذوب المتعصب النشيط بطرس، فأضاف التاريخ إلى اسمه لقب «الناسك».
واشتاط بطرس الناسك غيظاً من سوء ما عومل به في فلسطين، وغاص بطرس الناسك في بحر من الأحلام فرأى أنه مرسل لدعوة أوربة إلى إنجاد الأرض المقدسة.
وملكت هذه الأوهام مشاعره فتوجه إلى رومة ليستعين بالبابا، فأذن له الباب أوربان الثاني في دعوة النصارى إلى إنقاذ الأماكن المقدسة، فصار يجوب بلاد إيطالية وفرنسة ويلقي الخطب النارية ممزوجة بالبكاء والعويل وصب اللعنات على الكافرين، وبوعد