تختلف بقايا حضارة العرب باختلاف البلدان التي استولوا عليها، وإذ كان درس هذه الحضارة يقوم على البحث في آثار العرب العلمية أو الأدبية أو الفنية أو الصناعية، فإننا لا نستطيع أن نسير في فصول هذا الكتاب على نهج واحد، وقد رأيت أننا اعتمدنا في كلامنا عن سورية على الآثار الماثلة، وأننا سلكنا طريقاً آخر حينما بحثنا في أمر بغداد التي لا تجد فيها آثاراً شاخصة، فاقتصرنا حين الكلام عنها على التنويه بتنظيم العرب السياسي والمالي والإداري وما إلى ذلك، فإذا ما وصلنا تلك العناصر المختلفة بعضها ببعض أمكننا أن نرسم صورة جامعة لحضارة العرب في مختلف الأزمنة.
ولا نعرف إلا القليل عن آثار العرب في بعض البلدان التي دانت لهم، كبلاد فارس على الخصوص، فترانا مضطرين إلى الإيجاز في ذلك، ومع ذلك يثبت علمنا القليل عنها أن ذلك الشأن كان عظيماً جداً.
رأى العرب أنفسهم، حين هدموا دولة بني ساسان الفارسية، تجاه حضارة قديمة قويمة، فاقتبسوا الشيء الكثير من فنونها على الخصوص.
وتم النصر للعرب على بلاد فارس في الدور الأول من الإسلام، كما اتفق لهم في سورية، واستولوا على أصبهان في خلافة عمر بن الخطاب (٦٥٤ م)، ودام السلطان للخلفاء في بلاد فارس مدة ثلاثة قرون، وكان تاريخ بلاد فارس مرتبطاً في تاريخ بغداد بعض الارتباط، ثم تداولت حكم بلاد فارس دول مستقلة مؤقتة كان يدال منها، ونعد من تلك الدول دولة الترك السلجوقيين الذين قضى المغول على سلطانهم في القرن الثالث عشر، ثم دولة التركمان الذين طردوا المغول من بلاد فارس في سنة ١٤٠٣ م.