للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه هي حال بغداد اليوم، وقد لحقت بغداد الخلفاء، في أعفار الماضي، بطيبة وبابل ومنفيس وكل عاصمة كبيرة كانت سيدة الدنيا، ولكن هذه المدن لم تسيطر على العالم بغير السلاح، وخلفاء بغداد ملكوا العالم بحضارتهم على الخصوص.

ويجب، لنحسن تقدير تلك الحضارة، أن نخرج من دائرة الإجمال، التي التزمناها في هذا الجزء من كتابنا، وأن ندخل دائرة التفصيل، فندرس ما أسفرت عنه من العلوم والآداب والفنون والصناعة، وهذا ما نفعله في فصول أخرى بعد أن تم دراستنا المختصرة التاريخ العرب في مختلف الأقطار التي استولوا عليها.

وكلما تقدمنا في الكتاب بدا لنا، بوضوح، أمران جوهريان لم نفعل غير الإشارة إليهما حتى الآن، وهما: أن العرب استطاعوا أن يبدعوا حضارة جديدة مستعينين بما استعاروا من الفرس واليونان والرومان، وأن حضارة العرب كان لها من المناعة ما استطاعت أن تهيمن به على البرابرة الذين حاولوا هدمها، وقد ظهر لنا أن جميع أمم الشرق الكثيرة التي ساعدت على قهر العرب، ومنها الترك، أعانت بلا استثناء على نشر نفوذ العرب، وأن أمماً قديمة قدم العالم، كالمصريين والهنود، اعتنقت ما جاءها به العرب أو ورثتهم من الحضارة والدين واللغة.

<<  <   >  >>