لأنهم أحلوا حضارة العرب محل الحضارة القديمة، ولأن سلطان حضارة العرب لا يزال مسيطراً هناك حتى اليوم.
شكل ٢ - ٥: منظر في بغداد (من تصوير فلاندان).
أجل، قامت بغداد من تحت الأنقاض، ولكن الترك استولوا عليها بعد ثلاثة قرون فأصيبت بانحطاط تام، فغابت عنها المكتبات ورجال الفن والعلماء إلى الأبد.
واليوم لا تزال بغداد مركزاً مهماً بفضل موقعها التجاري، ولكنها مدينة عصرية لا تجد فيها غير الأنقاض من مباني الخلفاء، وما يصادف فيها اليوم من الأبنية، المتداعية على العموم، حديث نسبياً، وهو فارسي أكثر منه عربياً، قال مسيو فلاندان:«تتوارى تحت طبقة كثيفة من الغبار أسس المباني، ولا تكاد تجد فيها أثر هارون الرشيد وزبيدة، وهنا وهناك يكتشف في بعض زوايا الأسواق وعلى الشاطئ وبين أنقاض أضاعت اسمها وحوه جدران يقرأ عليها بصعوبة قطع من خطوط كوفية، ومئذنة يشهد خرابها على قدمها، وبقايا رتاج ذي ميناء وذي فسيفساء لامعة تنفصل على أساس البناء المحطم.
«ولم يبال الترك بضياع هذه الأدلة على حضارة منافسة الحضارة بيزنطة، ونحن إذا ما استثنينا تلك البقايا النادرة المجردة من الفائدة معاً كان من العبث إزالة الغبار المتراكم ببغداد، فالحق أن هذه المدينة العظيمة لم يبق فيها ما يذكر بخلفائها الأعزاء كما يمكن أن يقال.»