للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى ما في السجايا الخلقية من الثبات نراها تقدر، كالصفات الجثمانية، أن تتحول ببطء بتأثير مختلف العوامل، ولا سيما البيئة المادية والمؤثرات الأدبية والتوالد، ومن ذلك اختلاف أخلاق الروماني الذي كان معاصراً لهيلو غابال عن أخلاق أجداده في العصر الجمهوري، واختلاف سكان الولايات المتحدة في الأخلاق عن آبائهم الإنكليز.

والأخلاق في طريق التحول عند أكثر الأمم الحاضرة، وهي لا تزال بعيدةً من الرسوخ، فقد نشأ عن الفتوحات العظيمة التي ظهرت بها الأمم الحاضرة أن تقابلت عناصر كثيرة التباين فاختلط بعضها ببعض قليلاً، ولا يمض من الزمن ما يكفي لاكتسابها كثيراً من المشاعر المشتركة.

وأمر مثل هذا يتضح جيداً حينما ندرس أحوال شعوب حديثة يخيل إلينا، أول وهلةٍ، أنها متجانسة كالفرنسيين المؤلفين بالحقيقة من عناصر مختلفة كالكمريين والنورمان والسلت والأكيتان والرومان، وغيرهم من الذين داسوا ديارنا وجاسوا خلالها من غير أن يتمازج حفدتهم، كما يجب، حتى الآن.

وأوضحت في كتاب جديد مقدار التأثير العميق الذي يؤثره في مقادير الأمم مختلف العناصر التي تدخل في تركيبها، كما بينت فيه أن دراسة هذه العناصر، لا دراسة النظم السياسية التي هي معلولات لا علل، هي التي ترشدنا إلى سر الدور الذي تمثله الأمم في التاريخ، وما قمت به من تلخيص ذلك في هذا الكتاب يكفي لإقناع القارئ بأهمية درس روح الأمم الذي لا يزال ناقصاً، وسنرى في البحث في أخلاق العرب تفسيراً وافياً لأسباب عظمتهم وانحطاطهم.

[(٣) منشأ العرب]

عد العرب واليهود والفينيقيون والعبريون والسوريون والبابليون والآشوريون، الذين استوطنوا جزيرة العرب وآسية الصغرى حتى الفرات، من أصل واحد، ويطلق على هذا الأصل اسم الأرومة السامية.

وتقوم قرابة هذه الأمم على تجانس لغاتها، واشتراك أبنائها في صفاتٍ جثمانية متماثلة كاسوداد شعورهم وكثاثة لاهم ومدة ألوانهم ... وما إلى ذلك، ومن الممكن أن نجادل في قيمة هذه الصفات، ولكننا إذ نخرج بهذا عن الغرض، نرى الاقتصار على اقتباس ما ورد عنها في بعض المتون.

<<  <   >  >>