وذهب العلماء إلى وجود مثالين لصفات تلك الأمم الجثمانية، أحدهما: لطيف، والآخر: غليظ، فأما المثال الأول: فيتصف، كما قال مسيو جيرار:«بقامته الهيفاء المعتدلة وأعضائه المكتظة المشتدة ومفاصله الدقيقة، ووجهه الطويل الدقيق في أسفله وذقنه المتوثب وفمه الصغير، وأسنانه البيض المنضدة، وشفتيه الرقيقتين، وأنفه الضيق الأقنى، وعينيه السوداوين النجلاوين، وحاجبيه الأزجين، ورأسه المستطيل، ونجد هذا المثال، الشائع بين العرب على العموم، في بني إسرائيل والسوريين والمصريين الأقدمين والمعاصرين أيضاً.
«وأما المثال الآخر: فيتصف بقامته الطويلة الثقيلة، وأعضائه العضلة، ووجهه العريض الثخين، وفكه القوي البارز، وذقنه الناتئ، وفمه الضخم، وشفتيه الغليظتين، وأنفه الأقنى الواسع، وحاجبيه المقترنين، وعينيه السوداوين الكبيرتين، وجبينه الضيق المستقيم، ونجد هذا المثال بين الآشوريين واليهود وعرب الجنوب والمصريين الذين تجري في عروقهم دماء إفريقية لا ريب، وذلك لما تدل عليه خطوط سحناتهم ونسب أجسامهم».
ومهما تكن وحدة هذه الصفات التي نجادل في قيمتها، ومهما تكن أهمية هذه القرابة السامية التي لا نجزم بها نراها ترجع، على فرض وجودها، إلى ما قبل التاريخ، وقد كانت هذه الأمم السامية على اختلافٍ وتباين منذ أقدم عصور التاريخ كما دلت عليه الروايات.
وإذا جاز لنا أن نحكم في مبادئ الساميين السياسية والاجتماعية، من خلال مبادئنا الحاضرة، رأيناها قبلية غير راقية، وذلك مع الاعتراف بأن الأمم السامية أقامت حضاراتٍ عظيمة، وأن ثلاثة من الأديان الخمسة أو الستة التي تسود العالم (وهي اليهودية والنصرانية والإسلام) نشأت عن الفرعين الساميين: اليهود والعرب.
وكانت القرابة بين العرب واليهود وثيقةً، ودليل ذلك ما بين لغتي تينك الأمتين وتقاليدهما من التشابه.
ولا جرم أن الشبه قليل بين العربي أيام حضارته واليهودي الذي عرف منذ قرونٍ بالنفاق والجبن والبخل والطمع، وأن من الإهانة للعربي أن يقاس باليهودي، ولكن، لا تنس أن طرق الحياة الخاصة التي خضع اليهود لحكمها منذ قرون كثيرة هي التي أنشأت منهم عرقاً ذليلاً غير محترم، وعندي أن كل أمة تكون عرضةً لمثل ما أصاب اليهود، ولا تعرف عملاً لها غير التجارة والربا، وتحتقر في كل مكان، وتنتقل إليها تلك الغرائز المنحطة بالوراثة المتتابعة مدة عشرين قرناً، وتتأصل فيها، تصير كما صار إليه اليهود لا محالة.