للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يعلم محمد بالأمر إلا بعد أن حاصر المؤتمرون منزله، واستطاع محمد، مع ذلك أن يتسلل ليلاً من بين المؤتمرين، وأن يتفلت من مطاردة قريش له، وأن يصل هو وصديقه أبو بكر إلى يثرب التي سميت بالمدينة بعدئذ.

وكانت هذه الهجرة في سنة ٦٢٢ م، واتخذها العرب مبدأ لتاريخهم.

[(٣) محمد بعد الهجرة]

دخل محمد المدينة دخول الظافرين، وأظل أصحابه رأسه بسعوف النخل، وصارت الجموع ترتمي على قدميه.

وشرع محمد، منذ وصوله إلى المدينة، ينظم شؤون دينه، وأخذ القرآن، الذي كان في دور التكوين، يكتمل بفضل تواتر نزول الوحي على محمد في جميع الأحوال الصعبة خلا مبادئه الأساسية التي كانت قد عرضت.

ووضعت شعائر الإسلام بالتعاقب، فسن الأذان لدعوة المؤمنين إلى الصلوات الخمس، وفرض صوم شهر رمضان، أي الامتناع عن الطعام من الفجر إلى غروب الشمس شهراً كاملاً، وفرضت الزكاة التي يعين المسلم بها الدين الذي أقيم.

وصار محمد، بعد وصوله إلى المدينة، يقود الغزوات بنفسه، أو بواسطة أحد أصحابه، وغزوة بدر التي وقعت في السنة الثانية من الهجرة هي أولى الغزوات المهمة؛ ففيها هزم جنود محمد، الذين لم يزيدوا على ٣١٤ مقاتلاً، والذين لم يكن بينهم سوى ثلاثة فرسان، أعداءهم الذين كانوا ألفي مقاتل، فكانت هزيمة أعداء النبي التامة في بدر فاتحة شهرته الحربية.

وتوالت الوقائع بين محمد وجيرانه، وكانت كل مصيبة تصيبه يعقبها انتصار له في الغالب، وكان يبدو رابط الجأش إذا ما هزم، ومعتدلاً إذا ما نصر، وهو لم يقس على أعدائه إلا مرة واحدة حين أمر بأن تضرب رقاب سبعمائة معتقل يهودي خانوه.

وعظم شأن محمد في عدة سنين، وأصبح لا بد له من فتح مكة حتى يعم نفوذه، ورأى أن يفاوض قبل امتشاق الحسام وصولاً إلى هذا الغرض، فجاء إلى هذا البلد المقدس ومعه ١٤٠٠ من أصحابه، ولم يكتب له دخوله، وقد دهش رسل قريش من تعظيم أصحابه له، فقال أحدهم: «إني جئت كسرى وقيصر في ملكهما فو الله ما رأيت ملكاً في قومه مثل محمد في أصحابه ... ».

<<  <   >  >>