خَصَّصتُ مطالبَ كثيرةً من هذا الكتاب للبحث في أهم نظم العرب الاجتماعية كنظام الأسرة والرق وتعدد الزوجات ... إلخ، فأقتصر هنا على بيان أهمِّ ما جاء في القرآن من الأحكام الاشتراعية.
واختلطَ شرعُ العرب المدنيُّ بشرعهم الديني اختلاطاً وثيقاً، وتألف منهما علمٌ قائم على تفسير القرآن.
وما كان القرآن ليُبْصِرَ جميع ما يحدث في كل يوم، وهو لم يستدرك غير القليل من ذلك، وكان الناس منذ البُداءة يرجعون مضطرين إلى النبي وخلفائه من بعده لحل المُعضلات الشرعية اليومية، فتألف مما رُوي من أحكامهم المجموعة منذ القرون الأولى من الهجرة ما سُمِّي بالسُّنَّة.
ثم ظَهَرَ بعد زمنٍ قصير أن القرآن والحديث غيرُ كافِيَيْن، ورُئيَ إتمامُهما بوضع دستور مدني وديني مُشتق من تفسير القرآن، وقامت بذلك جماعة كبيرة من الأئمة في القرن الأول والقرن الثاني من الهجرة، واعتُرِف بأربعة منهم، وهم: أبو حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل؛ وإلى هؤلاء تُنسب المذاهب الأربعة التي يقتدي بها مختلف شعوب الإسلام، فأما المذهبُ المالكي فاتُّبع في إفريقية، وأما المذهب الحنفي فاتُّبع في تركية والهند، وأما المذهب الشافعي فاتُّبع في مصر وجزيرة العرب مع عمل المحاكم المصرية
بالمذهب الحنفي، وأما المذهب الحنبلي فمهجورٌ في أيامنا (! )
ثم صار لكل واحد من هذه المذاهب الأربعة كثيرٌ من الشُّراح، ومن ذلك أن كان خليلٌ، المتوفى سنة ١٤٢٢ م، شارحاً للمذهب المالكي المنتشر في بلاد الجزائر، فعد كتابه الذي تُرجم إلى الفرنسية مرتين، إحداهما بقلم الدكتور بيرون والثانية بقلم مسيو سِغْنِت، أهمَّ رسالة في الفقه المالكي.
وإذا عَدَوْتَ هذه المصادر في علم الكلام الإسلامي وفي الفقه الإسلامي وجدتَ للأحوال التي لا تجد لها قاعدةً مقررة، والتي لا يمكن القياس في أمرها، مجموعةَ أحكامٍ سلطانية تُعرف بالفتاوى.
وتَجد بجانب الدساتير المدونة فقهاً قائماً على العادة مختلفاً باختلاف الأمكنة فدل هذا على أن الفقه الإسلامي غيرُ مقيد بالقرآن خلافاً لما يُظَنُّ أول وهلة، وقد يكون للعادات من الفعل ما ليس للقانون المدوَّن، ومن هذا نَسْخُ القبائل البربرية لما جاء في القرآن من