ويُرى في هذه الآثار الثلاثة بعضُ المؤثِّرات البيزنطية والفارسية التي لم يتحرَّر فنُّ العمارة العربي في سورية منها تمامًا، ومما هو جدير بالذكر أنه يُشاهَد فيها، حتى في أقدم أقسامها، بَدءُ العمل بالأقواس المصنوعة على رسم البيكارين والمصنوعة على شكل نعل الفرس، أي الأقواس ذات الانكسار الضعيف في أعلاها والضيق قليلاً في أسفلها، ويبدو لك هذا النوع من الأقواس في الرواق (من الجامع الكبير) بدمشق، وفي جميع أقسام المسجد الأقصى تقريباً، وفي أعلى عمد الصف الأول من داخل جامع عمر.
ومما يُرى في جميع تلك الآثار الأولى أن تيجان عَمَدها مُتصل بعضها ببعض بجسور وَصْلٍ كبيرة اتصالًا انفرد بعمله مهندسو العرب.
وإذا استعنت بمبدأ القياس، فنظرت إلى أقدم مئذنة في الجامع الكبير بدمشق، علمت أن شكل المآذن العربية الأولى في سورية كان مربعًا.
وقد استُخدمت القباب المنخفضة المشابهة للقباب البيزنطية على العموم، وذلك باستثناء قُبَّة جامع عمر التي أقيمت في تاريخ متأخر عن تاريخ بنائه.
[(٣ - ٢) مباني بلاد مصر]
أوضحنا في الفصل الذي خصصناه لتاريخ العرب في مصر سلسلة تحولات فن العمارة العربي العميقة بمصر في ثمانمائة سنة، أي منذ بُنِي جامع عمرو بن العاص في سنة ٦٤٢ م، حتى تمَّ إنشاء جامع قايتباي في سنة ١٤٦٨ م، ورأينا أن هذا الفنَّ العربيَّ، الذي كان بيزنطي النزعة في البُداءة، لم يلبث أن تحرر من كلِّ تأثير أجنبي، وأنه انتهى إلى أشكال مبتكرة تماماً.
ويظهر أنه احتُرم قسمٌ من زينة جامع عمرو بن العاص الأولى مع ترميمه عدة مرات، ويُرى في جامع عمرو بن العاص أصل الأقواس المصنوعة على رسم البيكارين والمصنوعة على شكل نعل الفرس، ولا تَرى في جامع عمرو بن العاص غير المآذن البسيطة التي ليس لكلٍّ منها غيرُ رواقٍ واحد، والتي تنتهي برأس.
ويتجلَّى في مسجد ابن طولون، الذي أنُشئ في سنة ٨٧٦ م، بدءُ الخلاص من المؤثرات البيزنطية، أي أن أقواسه صُنعت، بدون التباس، على رسم البيكارين، وأنها قائمة على دعائم مؤلفة من أعمدة مرصعة في الزوايا، وترى في جامع ابن طولون نقوشَ الأزهار والأغصان الصالحة للزينة والمصنوعة على طراز جديدٍ قريب من طراز النقوش العربية، ولم تبدُ المتدلِّيات فيه بعدُ.