كانت حضارة الفرس وحضارة بيزنطة العظيمتان تقذفان نيرانهما الأخيرة حينما بدأت فتوح العرب، وقد استوقف العالم الذي فَتَحَه أتباع النبي خيالَهم المضطرم، فأخذوا يدرسون الآداب والفنون والعلوم بمثل نشاطهم في فتوحهم، ولم يلبث الخلفاء، بعد أن شادوا دولتهم، وأن أنشأوا في جميع المدن المهمة مراكز للتعليم، وجمعوا حولهم كل عالم قادر على ترجمة أشهر الكتب، ولا سيما كتب اليونان.
وحَدَثَ ما جَعَل أمرَ تلك الترجمة سهلاً، فقد كانت معارف اليونان والرومان العلمية القديمة منتشرةً في بلاد الفرس وسورية منذ زمن، وبيان ذلك أن النساطرة لما نُفُوا من دولة الروم أقاموا في مدينة الرُّها (أورفة) العراقية مدرسةً لنشر معارف اليونان في آسية، وأن تلك المدرسة لما هُدمت في عهد زِنُون الإيزوري احتضن أكاسرةُ بني ساسان أساتذتها، وأنه كان من نتائج هذا القبول الحسن أن قَصَد علماء أثينة والإسكندرية بلاد فارس عندما أغلقها جوستينيان فنقلوا إلى أكثر لغات الشرق انتشاراً، كالسريانية
والكلدانية ... إلخ، أهمَّ كتب علماء اليونان مثل أرسطو وجالينوس وذيسقوريدس.
وَوَجَد العرب في بلاد فارس وسورية، حينما استولَوا عليها، خزائنَ من العلوم اليونانية، وأمروا بنقل ما في اللغة السريانية منها إلى اللغة العربية، ولم يلبثوا أن أمروا بأن يُنقل إليها ما لم يكن قد نُقِل، فأخذت دراسات العلوم والآداب تسير قُدُما إلى الأمام.
ولم يَدُم اكتفاء العرب بما نُقِل إلى لغتهم طويلاً، فقد تَعَلم عدد غير قليل منهم اللغة اليونانية، على الخصوص، ليستقوا منها علوم اليونان، ثم تعلَّموا اللغة اللاتينية