كان يتنازع سيادة العالم حين وفاة محمد دولتان عظيمتان، إحداهما: دولة الروم التي كانت عاصمتها القسطنطينية، وكانت صاحبة السلطان على جنوب أوربة والشرق الأدنى وشمال إفريقية الممتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلنطي، والأخرى: دولة الفرس التي كان سلطانها ممتداً إلى مكان بعيد من آسية، وكان شمال أوربة وغربها فريسة للبرابرة الذين كانت أمورهم فوضى، وكانوا يتقاتلون على أسلاب الرومان وغنائمهم.
وكانت دولة الروم التي نهكتها محارباتها لدولة الفرس، والتي كانت تعاني عوامل الانحلال الكثيرة، في دور الانحطاط، ولم تكن غير هيكل نخر يكفي أقل صدمة لتداعيه.
وكذلك كانت علائم الانقراض بادية على دولة الفرس التي أوهنتها تلك الحروب أيضاً.
وأثقل الحكم الروماني كاهل مصر وإفريقية، وكانت القسطنطينية تستغل شعوبها من غير أن تحسن سياستهما، وكانت الاختلافات الدينية ومظالم الحكام تقوض دعائمهما.
ولم تكن أوربة أحسن حال، فكان الحكم في إسبانية، التي ستصبح مقراً لدولة زاهرة تحت الحكم العربي، بيد القوط المسيحيين الذين لم يستطيعوا أن يتمدنوا، والذين أكلتهم الانقسامات الدينية فاستغاثوا بقيصر الروم، فلم يعتم حلفاؤهم أن صاروا أعداء تجب محاربتهم، وفقدت رومة الإيطالية نفوذها القديم، وأصبح اسم الروماني محتقراً في كل مكان، وصار البرابرة يتناوبون السيطرة عليها.