القرن الثالث من الهجرة: كان قيام خلافة قرطبة في الغرب قبل ذلك نذير انقسام دولة العرب، فظهرت في بلاد فارس والهند بشرق بغداد إمارات كثيرة، ولم تنشب هذه العاصمة أن أحاط بها أمراء مستقلون.
ويشتري ابن طولون استقلاله السياسي بمصر، ويقيم فيها مملكة، ويلقى حبل إفريقية على غاربها، ويملك إسبانية خلفاء مستقلون استقلالاً تاماً.
القرن الرابع من الهجرة: استمرت الدولة العربية على الانقسام في القرن الرابع من الهجرة، وقامت دولة مستقلة في كثير من ولاياتها، وخسرت بغداد ما للعواصم من المزايا، وصارت القاهرة قاعدة الإسلام الحقيقية، وأصبحت إسبانية أنضر مقر للحضارة العربية مع دوام عاصمة الخلفاء القديمة على إلقاء أشعتها الساطعة، ويقصد طالبو العلم من جميع أقطار الأرض، ومنها أوربة النصرانية، جامعات العرب الكبيرة في طليطلة وغرناطة وقرطبة.
القرن الخامس من الهجرة: شهد القرن الخامس من الهجرة أمرين مهمين؛ وهما: الحروب الصليبية، وظهور الأتراك السلجوقيين في العالم العربي، وكان قد جيء بهؤلاء السلجوقيين البرابرة من التركستان كأسرى حرب في بدء الأمر، ثم تألف منهم حرس الخلفاء ببغداد، فابتلعوا السلطة الحقيقية شيئاً فشيئاً غير تاركين للخلفاء من السلطة سوى المظاهر.
وجعل السلجوقيون مقرهم أمام القسطنطينية بعد أن ملكوا جميع الولايات المجاورة لبغداد، واستولوا على سورية، وأحلوا تعصبهم محل تسامح العرب، ونهوا النصارى عن القيام بشعائر دينهم، وجاروا على حجيجهم، فاضطربت أوربة وثارت، بعد أن كانت تخشى تقدم المسلمين منذ زمن طويل.
ونشأ عن مواعظ بطرس الراهب ودعوة البابا أوربان الثاني أن جرد الأوربيون حملتهم الصليبية الأولى في سنة ١٠٩٥ م وانقضوا على فلسطين، واستولوا عليها، وأنشأ غودفروا البويوني مملكة القدس النصرانية الهزيلة.
ومما حدث في القرن الخامس من الهجرة أن طرد العرب من صقلية، وأن حالف نصارى إسبانية بعض التوفيق، فاستولى الأذفونش القشتالي على طليطلة، فكان هذا بداءة الفتح الذي لم يتم إلا بعد جهود أربعة قرون.
القرن السادس من الهجرة: أدى انتصار النصارى الأول في الشرق إلى زيادة الحماسة في أوربة، فجدت أوربة حملة صليبية ثانية على الإسلام في سنة? ? ٤? م، فكانت