للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مقدمة المترجم]

بسم الله الرحمن الرحيم

١

كان من نتائج اصطراع الشرق والغرب منذ قرون مضت، وإلقاء العرب الرعب في قلوب الأوربيين -أن صار الأوربيون يشعرون بمذلة الخضوع للحضارة العربية التي لم يتحرروا من سلطانها إلا منذ زمن قريب، فأخذوا ينكرون فضل العرب على أوربة وتمدينهم لها، وأصبح هذا الإنكار من تقاليد مؤرخي أوربة وكتابها الذين لم يقروا لغير اليونان والرومان بتمدينها، وقد ساعدهم على هذا ما عليه العرب والمسلمون من التأخر في الزمن الأخير، فلم يشاؤوا أن يروا للعرب رقياً تاريخياً أعظم مما هم عليه الآن غير ناظرين إلى أن نجم حضارة العرب أفل منذ أجيال، وأنه لا يصح اتخاذ الحال دليلاً على الماضي.

ولم تخل أوربة، مع ذلك، من مؤرخين أبصروا ما للعرب من فضلٍ في تمدين أوربة فألفوا كتباً اعترفوا فيها للعرب بما ليس فيه الكفاية.

وقد راع هذا الجحود العلامة الفرنسي الكبير غوستاف لوبون، وهو الذي هدته رحلاته في العالم الإسلامي ومباحثه الاجتماعية إلى أن العرب هم الذين مدنوا أوربة، فرأى أن يبعث عصر العرب الذهبي من مرقده، وأن يبديه للعالم في صورته الحقيقية ما استطاع، فأخرج في سنة ١٨٨٤ كتاب «حضارة العرب» الذي نعرض ترجمته على الناطقين بالضاد.

سلك العلامة لوبون في تأليف كتاب: «حضارة العرب» طريقاً لم يسبقه إليها أحد، فجاء جامعاً لعناصر هذه الحضارة وتأثيرها في العالم، شاملاً لعجائبها مفصلاً لعواملها،

<<  <   >  >>