تدلُّ كلمة الفنون الجميلة، عادةً، على فنِّ التصوير وفن النحت وفن العمارة وفن الموسيقا، وتدل كلمة الفنون الصناعية على صنع المنتجات ذاتِ النفع العام التي تصنع بطرق آلية، وتكون مشربة روح الفن الجميل.
وإن مما يجادل في قيمته، لا ريب، تعبير «الفنون الصناعية»، ولكنني لن أفعل هذا هنا، وإنما أذكر أن الفنون الصناعية تشتمل، عادةً، صناعة الخزف والزجاج الفني والفسيفساء والنجارة والصياغة والتكفيت ... وما إلى ذلك.
وقد تكون لدراسة منتجات الفنون الصناعية، من حيث الحضارة، أهميةٌ كالتي تكون لدرس الفنون الجميلة؛ فقد يوجد في أتفه هذه المنتجات ما يدلُّ على أدق شؤون الحياة الشعبية، وما يساعد على تقدير معارف صانعيها الفنية واحتياجات مبدعيها ومقتنييها.
والفنون الصناعية شائعةٌ بين العرب في كل مكان، وروشم الفران والدلو والسكين، مثلاً، من الأشياء التي يصنعها العرب بروعةٍ تدل على درجة اتصاف أحقر صُناعهم بالذوق الفني، والحق أن الفن مستقل عن تطبيقاته، ويمكن أن يتجلى في أنفس الأدوات وأثمنها كما يمكن أن يتجلَّى في أحطها.
ومن دواعي الأسف أن يكون درسُ فنون العرب الصناعية الذي خصصنا له هذا الفصل ناقصًا جداً لقلة ما عندنا من الوثائق، ولم يتصدّ أحدٌ بعدُ لدرس تاريخ مصدر هذه الفنون وتطوراتها المتعاقبة مع ما في هذا من الفوائد الكثيرة.
ومباني العرب أهم آثار العرب الفنية، وسندرس تاريخ طرازها في الفصل الآتي درساً مجملاً؛ لكثرة عددها، ولأن البحث فيها كان الغرض المهم من رحلاتنا، ولأن جمع المواد التي تؤدِّي إلى وصف ما برز فيه العرب من الفنون الأخَُرِ يتطلب نفقات عظيمة، ولذا نقتصر في هذا الفصل على بيان هذه الفنون الأخرى بياناً عاماً عاجزين عن ذكر سلسلة تطورات كل واحدة منها بحسب الأزمنة، وذلك خلافًا لما نصنعه في فن البناء.