يستلذه أكثر أبناء العرق الواحد في زمن معين»، ولا نستطيع أن نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.
ومهما تجد من نقص في تعريفنا للشيء الجميل تَرَهُ يدلنا، مع ذلك، إلى حقيقة الفن وإلى ما نطالب به رجل الفن، فإذا كان رجل الفن يبحث عن أمثلته في الطبيعة طالبناه بأن يقتبس منها ما نستلذه، وأن يبالغ في إظهار ذلك مبالغة تروقنا.
ولا نألم من رجل الفن لصنعه تمثال امرأة أجمل مما نراه عادة، ففي تجميل الطبيعة، لا في نقلها حرفيًا، يتجلى الفن، فانظر إلى تمثال فينوس دوميلو تراه آية في الجمال، وسبب الإعجاب به هو أن الطبيعة لم تمنَح شخصًا واحدًا ضروب الكمال التي تشاهدها مجتمعة فيه.
ثم إذا حدث أن بذل رجل الفن ما عنده من حِذْق في صنع تمثال لامرأة عجوز عارية متكرشة أمكننا الثناء عليه، مع ذلك، لدقته ولما اقتحمه من المصاعب، وإذا كان هذا التمثال محلًا للإعجاب فلِما اصطلح الناس عليه في زمن معين.
وقد يؤدي اصطلاح الناس في زمن معين، ولا سيما في دور الانحطاط، إلى تبدل في أذواقهم، ومن ذلك تمنِّي أنصار تصوير الطبيعة الحرفي أن تكون آثار الفن مطابقةً للحقائق بدلًا من أن تكون رائعةً مثاليةً، وقد جهل هؤلاء أن الطبيعة مملوءة بالحقائق، لا بما هو جميل، وأن الفن إذا قام، كما يَرَون، على تصوير الطبيعة تصويراً حرفياً فإنه يعود غيرَ موجود، وأن آلة التصوير التي تكفي لالتقاط قبيح الأشياء لا تَدَعُ في الناس احتياجاً إلى عبقرية رجال الفن المبدعة.
وما على المرء إلا أن ينظر إلى آثار العرب الأدبية والفنية؛ ليعلم أنهم حاولوا تزيين الطبيعة دائمًا، وذلك لما اتصف به الفن العربي من الخيال والنضارة والبهاء وفَيض الزخارف والتَّفنن في أدق الجزئيات.
والأمة العربية قد رغبت، بعد أن اغتنت (والأمة العربية أمة شعراء، وأي شاعرٍ لا يكون متفنناً) في تحقيق خيالاتها فأبدعت تلك القصور الساحرة التي تخيل إلى الناظر أنها مؤلفةٌ من تخاريم رخاميةٍ مرصعة بالذهب والحجارة الكريمة.
ولم يكن لأمة مثلُ تلك العجائب، ولكن، فهي وليدة جيل فتي مضى وخيال خصب ذَوَى، ولا يطمعن أحدٌ في قيام مثلها في الدور الحاضر الماديِّ الفاتر الذي دخل البشر فيه.