تكن دونهم كثيرًا، كنصارى إسبانية مثلاً، وهم إذا ما اختلطوا بعروقٍ متأخرة كبعض الشعوب الآسيوية والبربر لم يُصبهم غير الخسران، وكان التوالد في كلتا الحالين يؤدي حتمًا إلى تقويض الأخلاق التي يتألف من اجتماعها عرقهم، ولذا أصبحت البلاد التي كانت خاضعة لسلطانهم كإسبانية ومصر، لا تشتمل إلا على قليل من العرب بعد زوال سلطانهم السياسي عنها.
وكان عامل توالد العروق الذي أشرنا إليه يكفي وحده لتقرير انحطاط العرب، ولو لم يكونوا عُرْضَةً للمغازي ومختلف العوامل الأخرى، وذلك كما هو ثابت من أمرهم في مراكش التي نراها اليوم شبه همجية مع عدم غزو الأجنبي لها ومع مزاحمتها برخائها لبلاد الأندلس فيما مضى، والتي نجد أن تفوق البربر فيها وتوالد سكانها والزنوج أدَّيا إلى خفض مستوى حضارتها خفضاً عظيماً.
وقد زُعم أن المستقبل للمولَّدين، وقد يكون الأمر هكذا، ولكنني لا أتمناه للأمم التي ترغب في المحافظة على مستواها في العالم.
[(٣) مقام العرب في التاريخ]
ظهر مما قلناه عن حضارة العرب وأسباب عظمتهم وانحطاطهم أنه كان للعرب خصالٌ عظيمةٌ ومساوئ كبيرة وقابلياتٌ ذهنية عالية، وإذا كان العرب دون الرومان مرتبةً في النظم السياسية والاجتماعية فهم أعلى منهم بسِعَة معارفهم العلمية والفنية، ويمكن القول، على العموم: إن للعرب مقاماً رفيعاً في التاريخ، ولْنُعيِّن هذا المقام بالضبط: يتطلب تعيينُ قيمة الفرد أو الأمة بالضبط حيازة مقياس مُدَرَّج، ولكن مثل هذا المقياس مفقود تمامًا، وإن عدم وجوده يجعل أحكامنا مبنيةً على مشاعرنا الشخصية أكثر مما تُبنى على عقلنا، وهذا يكفي لعَدِّهَا موضع شك.
ولو ظَفِرنا بهذا المقياس النفسي، غير الموجود، لتقدير قيمة الرجال لوجب تجديده دائماً، فهو إن صلح لتقدير الأفضلية في زمنٍ لا يصلح لتقديرها في زمن آخر.
وكانت أعلى درجة في الأفضلية التي يتخيَّلها اليوناني هو أن يكون الأولَ في الألعاب الألنبية، أي المصارعة أو العدو أو الملاكمة أو ما إليها من التمارين، فإذا ما فاز فيها كان مظهراً لأعظم تكريم، أي كان اسمه يُنقش على الرخام، وكان من حقوقه أن يدخل مسقط رأسه من ثغرة تفتح له في الجدار، وكان هذا التكريم سائغًا، لا ريب، في زمن