كان للقوة واللياقة الجسمانية شأن كبير فيه، ولكن مثل هذه الأفضلية لا يُقَدَّر اليوم في غير أسواق القرى، ولا يكاد يمنح صاحبه خبزه اليومي.
ونحن، عند مرورنا من مجرى القرون، نرى تحول مقياس الأفضلية باستمرار، أي كانت الأفضلية قائمة على القوة الجسمانية والشجاعة في القرون الوسطى أيضاً، وكانت تقاس بالمعارف العلمية والفنية والأدبية في أدوارٍ أخُر، وبقوة الجدل بفصاحة حَول بعض الموضوعات في أدوارٍ غيرها، واليوم يميل الناس إلى قياس الأفضلية بما يُملك من النقود، وسيكون ملوك العصر الذي سندخله عما قليل أقدر الناس على حيازة الثروات، ونرى اتِّصاف بني إسرائيل بدرجةٍ من هذه القابلية لم يساوهم فيها أحدٌ، ونبصر من خلال الكُرْهِ العام الذي يُحاك حولهم في كلِّ مكانٍ ما يدل على اضطرار الناس إلى مقاتلتهم بعنفٍ للتخلص من سلطانهم الخطر.
شكل ٢ - ٥: مقعد مصنوع في دمشق من الخشب المرصع بالصدف (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف)
ومما يستوقف نظر الباحث ما يراه، عند درس الأحوال التي تُعَيِّن نجاح الأفراد أو الأمم في العالم، من ضعف شأن الذكاء وقوة أثر الإرادة والعِناد وغيره من الصفات الخلقية، ولا شك في المخرج عند افتراض رجلين أو شعبين: أحدهما؛ محدود الذكاء عظيم الشجاعة ماضي العزيمة كبير الصبر مستعد للتضحية بنفسه في سبيل مثلٍ عالٍ،