كان في القرون الوسطى، ولو قيض لمحاكم التفتيش أن تعود اليوم إلى إسبانية لرأت جميع طبقات الشعب الإسباني ظهيراً لها، والحكم العادل الشديد الذي أصدره المؤرخ الإنكليزي الكير بكل منذ بضع سنين على إسبانية يسري على حاضرها، وعلى زمن طويل من مستقبلها لا ريب، قال بكل:
لا تزال إسبانية نائمةً هادئةً فاقدة للحس غير شاعرةٍ بكل ما يجري في بقية العالم، أي معدودة غير موجودة، وإسبانية هنالك، حيث أقصى نقطة في القارة لم تكن، وهي جامدة ضخمة الجرم، ممثلةً لغير مشاعر القرون الوسطى وأفكارها، ومما يحزن فهيا كثيرًا اقتناعها بحالها، واعتقادها أنها أرقى أمم أوربة، مع أنها أكثرها تأخراً، هي فخور بكل ماي جب أن يحمر وجهها منه خجلاً، فخور بقدم آرائها، فخورٌ بتدينها، فخور بقوة إيمانها، فخور بسرعة تصديقها الطائش الذي لا حد له، فخور برفضها لإصلاح معتقداتها وعاداتها، فخور بحقدها على الملحدين، فخور بيقظتها الدائمة في إبطال كل ما يعملونه، ليستقروا بأرضها استقراراً شرعياً، ومن مجموع هذه المور تتألف تلك الخلاصة الكئيبة التي تسمى إسبانية.
[(٢) ورثة العرب في مصر والشرق]
الترك هم ورثة العرب في مصر وقسمٍ كبير من الشرق كما هو معلوم.
وإذا ما نظر المرء إلى الترك من الناحية السياسية، أدرك أنه كان لهم دورٌ كبيرٌ من الهضمة، فقد ارتعدت فرائص أقوى ملوك أوربة، زمناً طويلاً، فرقاً من سلاطينهم الذين قاموا مقام القياصرة، وأحلوا الهلال محل الصليب الإغريقي فوق أيا صوفية، وبسطوا نفوذ الإسلام في الآفاق.
بيد أن عظمة الترك لم تكن في غير الحرب، فالترك، وإن استطاعوا أن يؤسسوا دولةً كبيرة، أثبتوا عجزهم عن إبداع حضارة في كل زمن، وكان أقصى جهودهم أن يستفيدوا مما أصبح تحت أيديهم من علوم العرب وفنونهم وصناعاتهم وتجارتهم، ولم يقدر الترك أن يتقدموا خطوةً واحدة في هذه المعارف التي ازدهرت أيام سلطان العرب، والأمم، إذ كانت ترجع إلى الوراء، حتماً، إذا لم تتقدم، لم تلبث ساعة انحطاط الترك أن دقت.