الحديثة التي ضَرَّجت مصر بالدماء، وقد تَجَلَّت لي صعوبة إدراك الناس لروح الأمم الأخرى من مطالعة الصحف الأوربية التي ذَكَرت أن ثورة عرب مصر الأخيرة حدثت لينالوا من الحقوق السياسية ما يجهلونه بالحقيقة جهلاً تاماً، وذلك أن العرب إذ تعودوا الإذعان لأهواء ربٍّ، ولم يَصْعَب عليهم الإذعان لوكلائه، وأن الرجل الذي يخاطب العرب باسم لله يُطاع لا محالة، ما عَلِموا أنه يتكلم باسم لله حقاً، فعلى الراصد المؤمن أو الملحد أن يحترم هذا الإيمان العميق الذي استطاع العربُ أن يفتحوا العالم به فيما مضى، وهم اليوم يَصبِرون به على قَسوَة المصير.
حقاً إن مثل تلك المعتقدات يُورِثُ الجموع أوهاماً جميلةً تُعدُّ عنوان السعادة، والجموع تُبصِر من خلالها نعيم الآخرة الذي لا تَرَى مثله في هذه الحياة الدنيا، وهي تصونها من الوقوع في اليأس وما يَجُرُّ إليه اليأس من الفِتن الشديدة، ويجب على من يستخف بتلك الأوهام أن يستخف بجميع الأوهام؛ ليكون منطقياً فيزدري المجد والطموح والحب وجميعَ الخيالات الساحرة الجديرة بالاحترام التي نقضي حياتنا وراء تحقيقها، وهذه الأوهامُ أعظم عامل في سَيْر الإنسان حتى الآن، والمفكر الذي يكتشف ما يُغْني الناسَ عنها لم يُولَد بعد.
[(٢) الطقوس الدينية في الإسلام]
(٢ - ١) الفِرَق الإسلامية
أرى أن أقول بضع كلماتٍ عن الفِرَق الإسلامية قبل وصف طقوس العرب الدينية الأساسية: يشتمل الإسلام على عدة فِرَق ككل دين، وبلغ عدد الفِرَق الإسلامية، منذ أوائل التاريخ الهجري، اثنتين وسبعين فِرقةً، وأكثر من هذا عدد الفِرق البروتستانية وحدها.
وفرقة أهل السنة وفرقة الشيعة أقدم الفرق الإسلامية وأهمها، فأما الشيعة: فيزعمون أن الخلافة لصهر النبي عليِّ، ويحترمون علياً كاحترامهم لمحمد تقريباً، وأما أهل السنة: فيَرَون خِلافة الخلفاء صحيحةً وَفق ترتيبهم، ويمثِّلُ أهل السنة الفريق الصحيح.
وإذا ما استثنينا تينك الفِرقتين رأينا فِرَقاً ثانوية في الإسلام، وأهمُّها الوهابية التي ظهرت منذ قرن فأقامت دولةً قوية في وسط جزيرة العرب، وتزعم الوهابية أنها تُعيد إلى الإسلام صفاءه القديم، والوهابيون بروتستان الإسلام في الحقيقة.