الإيمان الجديد ما كانوا يجهلون من فنون تعبئة الجيش والنظام وأعتدة الحرب، وقد تم استعدادهم في بضع سنين، وقد بهت الروم حين حاصر العرب دمشق، ورأوهم مجهزين بمثل ما كان عندهم من الآلات الحربية الكاملة الجيدة.
[(٢) طبيعة فتوح العرب]
لم تقل براعة الخلفاء الأولين السياسية عن براعتهم الحربية التي اكتسبوها على عجل، وذلك أنهم اتصلوا منذ الوقائع الأولى بسكان البلاد المجاورة الأصليين الذين كان يبغي عليهم قاهروهم منذ قرون كثيرة، والذين كانوا مستعدين لأن يستقبلوا بترحاب وحبور أي فاتح يخفف وطأة الحياة عنهم، وكانت الطريق التي يجب على الخلفاء أن يسلكوها واضحة، فعرفوا كيف يحجمون عن حمل أحد بالقوة على ترك دينه، وعرفوا كيف يبتعدون عن إعمال السيف فيمن لم يسلم، وأعلنوا في كل مكان أنهم يحترمون عقائد الشعوب وعرفها وعاداتها، مكتفين بأخذهم، في مقابل حمايتها، جزية زهيدة تقل عما كانت تدفعه إلى سادتها السابقين من الضرائب.
وكان العرب، قبل أن يسعوا إلى فتح بلد، يرسلون رسلاً حاملين إليه شروطاً للوفاق، وتكاد هذه الشروط تكون مماثلة للشروط التي عرضها عمرو بن العاص على أهالي غزة حين حصاره لها في السنة السابعة عشرة من الهجرة، وللشروط التي عرضت على المصريين وأهل فارس، وتلك الشروط التي عرضها عمرو بن العاص هي -كما رواه المؤرخ العربي- المكين، ما يأتي:«أمرنا صاحبنا أن نقاتلكم إلى أن تكونوا في ديننا فتكونوا إخوتنا، ويلزمكم ما يلزمنا فلا نتعرض إليكم، فإن أبيتم أعطيتم الجزية في كل عام أبداً ما بقينا وبقيتم، ونقاتل عنكم من ناوأكم إن تعرض إليكم في وجهٍ من الوجوه، ويكون لكم عهد علينا، فإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا السيف فنقاتلكم حتى تفيئوا إلى أمر الله.»
ويثبت لنا سلوك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في مدينة القدس مقدار الرفق العظيم الذي كان يعامل به العرب الفاتحون الأمم المغلوبة، والذي ناقضه ما اقترفه الصليبيون في القدس بعد بضعة قرون مناقضة تامة، فلم يرد عمر أن يدخل مدينة القدس معه غير عدد قليل من أصحابه، وطلب من البطرك صفرونيوس أن يرافقه في زيارته لجميع الأماكن المقدسة، وأعطى الأهلين الأمان، وقطع لهم عهداً باحترام كنائسهم وأموالهم، وبتحريم العبادة على المسلمين في بيعهم.