شكل ٣ - ٥: قطعة من نقود ابن طولون (١٥٧ هـ/ ٨٧٠ م).
شكل ٣ - ٦: قطعة من نقود الخليفة الرضي (٣٢٧ هـ/ ٩٣٣ م).
ولم يكن سلوك عمرو بن العاص بمصر أقل رفقاً من ذلك فقد عرض على المصريين حرية دينية تامة، وعدلاً مطلقاً واحتراماً للأموال وجزيةً سنوية ثابتة لا تزيد على خمسة عشر فرنكاً عن كل رأس بدلاً من ضرائب قياصرة الروم الباهظة، فرضي المصريون طائعين شاكرين بهذه الشروط دافعين للجزية سلفاً، وقد بالغ العرب في الوقوف عند حد هذه الشروط، والتقيد بها، فأحبهم المصريون الذين ذاقوا الأمرين من ظلم عمال قياصرة القسطنطينية النصارى، وأقبلوا على اعتناق دين العرب ولغتهم أيما إقبال.
ونتائج مثل هذه لا تنال بالقوة كما قلت غير مرة، ولم يظفر بمثلها من ملك مصر من الفاتحين قبل العرب.
وللفتوح العربية طابع خاص لا تجد مثله لدى الفاتحين الذين جاءوا بعد العرب، وبيان ذلك أن البرابرة الذين استولوا على العالم الروماني والترك وغيرهم، وإن استطاعوا أن يقيموا دولاً عظيمة، لم يؤسسوا حضارة، وكانت غاية جهودهم أن يستفيدوا بمشقة من حضارة الأمم التي قهروها، وعكس ذلك أمر العرب الذين أنشأوا بسرعة حضارة جديدة كثيرة الاختلاف عن الحضارات التي ظهرت قبلها، والذين تمكنوا من اجتذاب