للناس والآلهة من إطاعتها، وحاول إديب، غير جدوى، أن يضرع إلى هاتف الغيب الذي أخبره بأنه سيقتل أباه ويتزوج أمه فلم يستطع رداً لحكم القدر الجبار.
ولم يكن محمد، إذن جبرياً أكثر من مؤسسي الأديان الذين ظهروا قبله، ولم يسبق محمد في جبريته علماء الوقت الحاضر الذين أيدوا مع العلامة لابلاس رأي الفيلسوف ليبنتز في القول:«إنه إذا وجد ذكاء يعرف، لوقت، جميع قوى العالم ومواضع ما فيه من الموجودات، ويستطيع أن يحللها، ويحيط بمحركات أعظم أجرام العالم وأصغر ذراته، فإنه لا يبقى عنده شيء غير معين، ويصبح الماضي والمستقبل حالاً في نظره».
والجبرية الشرقية التي قامت عليها فلسفة العرب، ويستند إليها كثير من مفكري العصر الحاضر هي نوع من التسليم الهادئ الذي يعلم به الإنسان كيف يخضع لحكم القدر من غير تبرم وملاومة، وتسليم مثل هذا هو وليد مزاج أكثر من أن يكون وليد عقيدة، وقد كان العرب جبريين بمزاجهم قبل ظهور محمد، فلم يكن لجبريتهم تأثير في ارتقائهم كما أنها لم تؤد إلى انحطاطهم.