للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا.

وكان محمد يقابل ضروب الأذى والتعذيب بالصبر وسعة الصدر، وكان في كل يوم يجتذب أصحاباً آخرين ببلاغته، والتجأ محمد إلى عمه أبي طالب في الجاه الكبير راغباً في السلامة.

ومضت عشر سنين ومحمد لم يفتر ثانية عن الدعوة إلى دينه، فلما بلغ الخمسين من عمره أصيب بمصيبتين كبيرتين: وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه، ووفاة زوجته خديجة التي كان أقرباؤها من الأعيان النافذين.

وترك النبي مكة حين أضحي غير قادر على مقاومة أعدائه، وذهب إلى الطائف القريبة، ودافع أمام أهليها عن صدق بعثته، ولم يصغوا إليه، فاضطر إلى العودة.

ولم يلبث الأمر أن تبدل، ولم يلبث الزمن أن تبسم لمحمد بعد عبوس، فقد اغتنم محمد موسم الحج، ودعا إلى دينه أناساً من اليمن كانوا ينظرون إلى مكة بعين الغيرة، وكانوا ينتظرون، كما شاع بينهم، ظهور نبي، وقد استهواهم حديث النبي، واعتقدوا أنه هو النبي المنتظر، وقد حدثوا بذلك أهل يثرب التي كانت تأكلها الغيرة من مكة أيضاً، وقد جاءه من هؤلاء رجال كثير؛ ليستمعوا إلى دينه البسيط الواضح، فلم يطلب منهم غير الإيمان بإله واحد وبالآخرة حيث يجازي الأشرار ويكافأ الأبرار، وغير إطاعة أمر الله، والصلاة صباح مساء مع الطهارة بالوضوء والتحلي بجميع الفضائل، والإقرار بأن محمداً رسول الله وإطاعته، وقد أخذ هذا الدين بمجامع قلوبهم؛ فآمنوا به وصدقوه وبايعوه، ثم انصرفوا للدعوة إلى دينه.

ولما علمت قريش ما أصاب محمد من النجاح غضبوا وسخطوا، وهم الذين لم يستطيعوا أن يغضوا على دين جديد قد يضر بمصالحهم، فأتمروا بمحمد ليقتلوه.

<<  <   >  >>