ونشأ عن تتابع الغزو هدم المباني القديمة التي شادها العرب وبنو ساسان في بلاد الفرس وزوال ما كان منها في مدينة أصبهان، على الخصوص، زوالاً تاماً، وما نراه الآن في أصبهان هو من صنع الشاه الفارسي الشهير عباس الذي اتخذها قاعدة مُلكه في سنة (٩٩٨ هـ/١٥٨٩ م) والذي استرد من الترك معظم بلاد فارس، ويظهر أن ذلك القطر استرد رخاءه القديم لمدة قرن، فقد قاتل الفرسُ منصورين دولة المغول في الهند سنة ١٥٣٩ م، وانتزعوا منها ولايات كثيرة واقعة غرب نهر السند، ثم سادت الفوضى والانحطاط بلاد فارس، ونرى اليوم بلاد فارس، الواقعة بين الروس الذين يرغبون في التقدم نحو بلاد الهند والإنكليز الذين يمانعون في ذلك، مهددةً بأن تكون ميدان قتال لهذين الفريقين، وأن تقع فريسة للغالب منهما، فكأنه كتب على بلاد فارس أن تكون مسرح حروب تمهيداً لإقامة الأجنبي الغالب دولة عالمية كما تم في القرون الغابرة.
وثبت تأثير العرب في الفرس من اعتناق الفرس لدين العرب ونظمهم، ومن شيوع اللغة العربية بينهم شيوع اللغة اللاتينية في أوربة في القرون الوسطى، وذلك من غير أن تكون لغة البلاد الدارجة كما ثبت من استمرار الفرس إلى الوقت الحاضر على تلقي علم التوحيد والتاريخ والعلوم الأخرى من كتب العرب.
وتبدو بقايا ما تركه العرب من الآثار الماثلة في بلاد فارس من القلة ما لا تكفي معه لبيان تأثير هاتين الأمتين إحداهما في الأخرى، ولا نعرف حال فن العمارة الفارسي قبل الإسلام بالضبط وفي ظل العرب، وما بحث فيه بعض الرواد من المباني لم يخرج عن حد الأنقاض التي يصعب معها بيان الحالة التي كانت عليها فيما مضى، ونقول مع ذلك، وبعد إنعام النظر في تلك البقايا وفيما رواه المؤرخون: إن قصور أكاسرة الفرس قبل الفتح العربي كانت على جانب عظيم من الزخرف والزينة، وإن الفرس كانوا يعرفون إقامة القباب، وإنهم كانوا يعلمون كيف يكون المباني بالميناء، وإن العرب رضوا في دور الفتح بفن العمارة الفارسي مع قليل من التبديل، وإن أهم ما اقتبسه العرب من متفنني الفرس في ذلك الدور الأول هو جزئيات الزخرف واستعمال الميناء على الخصوص، لا طراز البناء الذي استعاروه في البداءة، من البيزنطيين في سورية ومصر على الأقل.
ثم تغيرت الأوضاع مع الزمن، فصار العرب يؤثرون في الفرس، فاقتبس الفرس من العرب شكل قبابهم والنقوش المتدلية (المقرنصات) وضروب الزينة كالكتابات، وسنعود إلى هذه المسائل في الفصول التي خصصناها للبحث في فنون العرب.