للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمناور التي تناطح السماء، ثم يمتع -بعد أن يدخل دهلي- نظره بمئات القصور والمباني الساحرة المكسوة بالميناء الملون الذي لا يقدر على الإعراب عن جماله غير التصوير، ويجب عليه، إذا ما رغب في اجتلاء طلعة سيد تلك العجائب، أن يسأل عن الساعة التي يذهب فيها إلى المسجد، وهو يشاهد، في أثناء انتظاره صابراً أزوف تلك الساعة، الرياض الغن ذات الجواسق المخرمة المغطاة بالفسيفساء والمنعكس رخامها في مياه الفساقي والحياض العميقة والبارزة من بين أزهار الجلول والياسمين وشجر البرتقال والليمون والأشجار العطرة الطيبة الرائحة التي لا تعرف بلادنا مثلها.

وبينما يقضي السائح العجب من تلك العجائب، فيقول في نفسه: إن ملائكة رواية ألف ليلة وليلة لا تستطيع أن تبدع ما هو أروع منها، يسمع ألوف الصنوج تدق إيذاناً بمجيء الملك، ويرى أنه يخرج من باب القصر الهائل جمع كبير من الدم المتسربلين بسرابيل براقة، ومن الجنود المدججين بالسلاح اللامع، ومن العبيد السمر ذوي الخلاخل الفضية، والحاملين للمحامل الزاهية ذات المظلات المخملية، ويري، في وسط موكب من فرسان الهندوس والفرس والتركمان الحاملين سيوف الهند المرهفة، ومن أكابر الأمراء والأعيان اللابسين أفخر الثياب المطرزة بالذهب والفضة والحجارة الكريمة، صاحب الجلالة الملك الراكب فيلاً ضخماً متنز الخُطا، والذي تظلله مظلة من الحرير المطرز بالألماس والزمرد، ويرى الجمهور وهو يخر ساجداً لذلك الملك المطلق الذي هو سيد الهند، وظل الله الحي المرهوب في الأرض، والمالك لخمس عشرة مملكة، والذي هو ملك أغرا ودهلي وكابل ولاهور وكجرات ومالوا وبنغال وأجمير، ويرى على جوانبه فريقاً من حاشية الملك يحرك مراوح من ريش الطاووس ذوات أهداب مرصعة بالحجارة الكريمة على حين تلقي الشمس أشعتها الذهبية على ذلك الموكب الملكي الشرقي الباهر.

<<  <   >  >>