على ما يحتمل، فإنه فَكَّر بحرية عظيمة في بعض الموضوعات: وتدل العبارة الآتية التي أنقلها من كتاب مسيو رينان حول خلود الروح وقواعد الأخلاق على عظيم استقلال ابن رشد، قال رينان:
يرى ابن رشدٍ أن العقل العامَّ المطلق باقٍ على الدهر قابلٌ للانفصال عن الجسم، وأن العقل الفرديَّ فانٍ مع البدن
وينكر ابن رُشد الخلود والبعث ويُصرِّح بأن على المرء ألا ينتظر ثواباً غير ما يلاقي في هذه الحياة الدنيا بكماله الخاص.
وعند ابن رشد أن الأشخاص يتميزون مادةً ويتحدون صورة، وأن الخلود للصورة لا للمادة، وأن صورة الأشياء أساسُ تسميتها، وأن الفأس بلا حدٍّ ليست فأساً بل حديدٌ، وأن من التَّجوُّز دعوة جسم الميت إنساناً، وأن الفناءَ لمادة الشخص والبقاءَ لنوعه.
ويقول ابن رشد: إن روح الفرد لا تُدرِك شيئاً بغير تصور، فكما أن الحواس لا تَشْعُر إلا إذا اتصلت بالأشياء لا تُفَكِّرُ النفس إلا إذا وُجدت صورةٌ أمامها، ومن ثم كان الفكر الشخصيُّ غيرَ خالد، وإلا وَجَب أن تكون الصور خالدة أيضاً، وإذا كان الإدراك خالداً بذاته فإنه لا يكون كذلك عند الممارسة.
ولم يُخفِ ابن رشد نفوره من أقاصيص العوام عن الحياة الآخرة، وهو يذهب إلى أنه يجب أن يُعَدَّ من الأوهام الخَطِرة نظرُ المرء إلى الفضيلة وسيلةً للسعادة؛ لما يتضمن ذلك من الإنكار للفضيلة نفسها، ومن مَعنَى الامتناع عن الملاذِّ رجاءَ الثواب المضاعف، ومن طلب العربي للموت اتقاءً لما هو أسوأ، ومن عدم احترام اليهودي لمال الآخرين طمعاً في الكسب الزائد، وفي ذلك من الإفساد لروح القوم والأولاد، وعدم وجود نَفْع في إصلاحهم ما لا يخفى، ويعرف ابن رشدٍ أناساً من ذوي الأخلاق يضربون بتلك الأوهام عُرضَ الحائط، ولا يقولون بفضيلة من يتمسكون بها.