وأقام المماليك في مصر دولتين من أصلين مختلفين، فأما الدولة الأولى: فهي دولة التركمان المماليك (١٢٥٠ م-١٣٨١ م) التي كان قوامها أناس من الترك، كما في بغداد، أسروا في القفقاس، وفيما جاور بحر قزوين؛ فبيعوا كالأرقاء، فهؤلاء الناس هم من الملاح الأقوياء الذين لاح أنه سيتألف منهم حرس مختار للخلفاء، والذين كانوا ذوي منظر رائع بملابسهم الزاهية، وأسلحتهم الجميلة المرصعة بالأشعرة التي قلدهم بها الفرسان الصليبيون فاخترعوا علائم الشرف، والذين تقلد رؤساؤهم أعلى المناصب بالتدريج، لما نالوا من الحظوة فانفردوا بالملك فأقاموا دولتهم.
وأما دولة المماليك الثانية فهي الدولة المعروفة في التاريخ بدولة الشراكسة المماليك الذين لم يكونوا من ترك آسية العليا، بل من بلاد الشركس (١٣٨٢ م-١٥١٦ م)، والذين طمع سلاطين دولة التركمان المماليك في قوتهم؛ ليدرأوا بهم كيد التركمان الأشرار الذين خان أسلافهم العرب فيما مضى، وقد خيب هؤلاء الشراكسة ظنهم، فاستبدوا بالحكم، وأقاموا دولتهم التي دامت إلى سنة ١٥١٦ م حين قضى عليها السلطان سليم الأول، وحول مصر إلى ولاية تركية.