واسمع في وصف بلرم ما قاله العالم الجغرافي العربي الإدريسي الذي ألف كتاب رحلته الكبير في بلوم في عهد الملك روجر الثاني أي بعد الفتح النصراني بزمن قليل:
بلرم هي المدينة السنية العظمى، والمحلة البهية الكبرى، والمنبر الأعظم الأعلى، علم بلاد الدنيا، وإليها في المفاخر النهاية القصوى، ذات المحاسن الشرائف، ودار الملك في الزمان المؤتنف والسالف، ومنها كانت الأساطيل والجيوش تغدو للغزو وتروح كما هي عليه الآن من ذلك، وهي على ساحل البحر في الجانب الغربي والجبال الشواهق العظام محدقة بها، وساحلها بهج مشرق فرج، ولها حسن المباني التي سارت الركبان بنشر محاسنها في بناءاتها ودقائق صناعاتها وبدائع مخترعاتها، وهي على قسمين: قصر وربض، فالقصر هو القصر القديم المشهور فخره في كل بلد وإقليم، وهو في ذاته على ثلاثة أسمطة؛ السماط الأوسط يشتمل على قصور منيفة، ومنازل شامخة شريفة، وكثير من المساجد والفنادق والحمامات وحوانيت التجار الكبار، والسماطان الباقيان فيهما أيضاً قصور سامية، ومبان فاخرة عالية، وبهما من الفنادق والحمامات كثير، وبهما الجامع الأعظم الذي كان بيعة في الزمن الأقدم، وأعيد في هذه المرة على حالته في سالف الزمان، وصفته الآن تعزب عن الأذهان، لبديع ما فيه من الصنعة والغرائب المفتعلة المنتخبة المخترعة، ومن أصناف التصاوير وأجناس التزويق والكتابات، وأما الربض؛ فمدينة أخرى تحدق بالمدينة من جميع جهاتها، وبه المدينة القديمة المسماة بالخالصة التي كان بها سكنى السلطان والخاصة في أيام المسلمين، وباب البحر ودار الصناعة التي هي للإنشاء، والمياه بجميع جهات مدينة صقلية مخترقة، وعيونها جارية متدفقة، وفواكهها كثيرة، ومبانيها ومتنزهاتها حسنة، تعجز الواصفين، وتبهر عقول العارفين، وهي بالجملة فتنة للناظرين، والقصر المذكور من أكبر القصور منعةً وأعلاها رفعةً، لا ينال بقتال، ولا يطاق على حال، وبأعلاه حصن محدث للملك المعظم رجار مبني بالفصوص الجافية والحجارة المنحوتة الضخمة، وقد أحكم نسقه وأعليت رقعه، وأوثقت مناوره ومحارسه، وأتقنت قصوره ومجالسه وشيدت بنياناً ونمقت بأعجب المغتربات، وأودعت بدائع الصفات، فشهد لها بالفضل المسافرون، وغلا في وصفها المجولون، وقطعوا قطعاً أن لا مباني أعجب من مباني المدينة، ولا مكان أشرف من مغانيها، وأن قصورها مشارف