من أية بلاد عاطلة من الإدارة، فطرقها مهملة، ومناجمها وغاباتها وثروتها الزراعية معطلة، وقطع السبل فيها من الأمور الشاملة لأبواب مدنها الكبيرة كإزمير مثلاً، ولا تخلو بحارها، ومنها بحر مرمرة والبسفور، من القراصنة.
ولا يستنتج القارئ مما تقدم أن أهل تركية أحط من سكان أوربة، فتركية تشتمل، بالحقيقة، على ذلك التضاد الغريب الذي أَعْجَبُ من أنني لم أره في مكان آخر، أي أنها ذات سكان لهم صفاتٌ من الطراز الأول مع أن طبقاتها القائدةَ أدنى من هؤلاء السكان بمراحل خلافًا لما في الغرب، وأن فلاحي الترك وعمالهم زهادٌ صابرون على الأعمال أوفياء لأسُرهم، ذوو نشاط محتملون لجور حكومةٍ فاسدة احتمالاً فلسفياً، ويرجح الجندي التركي الموت في مكانه على الهزيمة، وهو لا يَقْبض راتباً، وهو لا يلبس سوى الثياب الرثة، ويتألف طعامه من الخبز والماء، وقد قال لي أحد القادة الحربيين، الذين رأوا جنود الترك عن كثب: إنك لا تجد في أوربة جيشًا يستطيع العيش يومًا واحدًا في مثل تلك الأحوال، وقد يكون التركُ خيرَ جنود أوربة مع أنهم أسوأ الجنود قيادةً.
وينطبق هذا القول على الترك حصرًا، لا على جميع سكان الولايات الآسيوية التي يحكم فيها الترك، وذلك أنه يرى، في الغالب، في مدن تلك الولايات، على الخصوص، مزيج فاسد من مختلف العروق يعد حثالة من جميع الفاتحين الذين جاسوا خلالها منذ قرون كثيرة فزاده النظام العثماني فسادًا، ولا ننكر وجود بعض المزايا في هذا المزيج الفاسد، ولكن مع القول بانحطاط مستواه الخلقي وشجاعته.
واليوم، لا ترى في هذا الشرق الفاسد سوى سلطانٍ أجمع الناس على احترامه، وقد سمعت اسمه يرن في كل مكان يقع بين سواحل مراكش وصحراء جزيرة العرب، وبين شواطئ البسفور ورمال أثيوبية، في الآستانة تحت قبة أيا صوفية، وفي القدس على ذروة التل التي كان قائمًا عليها هيكل سليمان، وتحت قباب كنيسة القبر المقدس (القيامة) الدكن، وفي مصر من الأهرام إلى خرائب طيبة ذات مائة الباب، وفي كل زاويةٍ يأوي إليها السائح، ذلك الاسم الذي يرن راجيًا متوسلا هالكًا مبعوثًا بلا انقطاع إلى أن يغشى عليه بين جلبة سخرية أو عويلٍ، ذلك الاسمَ الذي ينطق به بلهجة الوعد أو الوعيد مع إمكان رنينه كالأمل، ذلك الاسم الذي يبدو تميمةً قادرة تغني عن الخطب الطويلة، ويصبح الإنسان بها سيدًا في الشرق، ذلك الاسم الذي يكفي ترديده على وجه ما لتنفرج أسرة الوجوه ويسجدَ الندماء ولتفتر ثغور النساء عن ابتساماتٍ تأخذ بمجامع القلوب، ذلك الاسم الساحر الذي يسهل أن ينال به ما لا يَقدر أمير المؤمنين على منحه، والذي