حديثاً عن الإسلام في الصين، ويرى هذا المؤلف أن دماء عربية تجري في عروق مسلمي الصين وإن لم يكونوا عرباً حصراً، وأنه يتألف منهم عرق مزيج من العرب والترك والصينيين، ثم يقول:«إن المسلمين في الصين متحدرون من الكتيبة المؤلفة من أربعة آلاف جندي الذين أمد بهم الخليفة أبو جعفر الإمبراطور سوتسونغ في سنة ٧٥٥ م حين شق أنلوشين العصا، والذين سمح هذا العاهل لهم بالإقامة بأهم مدن الصين مكافأة لهم على ما قاموا به من الخدم فتزوجوا صينيات، وكان بهم أصل مسلمي الصين».
وقال ذلك المؤلف، بعد أن استشهد برأي أندرسن الذي يرى أن شرفهم يفوق الوصف، وذلك مع الاستشهاد بملاحظاته الخاصة:
إنهم يتصفون بروح الصدق والشرف على العموم، وإن من يتقلد منهم بعض مناصب الدولة يحترمه الأهلون ويحبونه، وإن من يتعاطى التجارة منهم يتمتع بالسمعة الطيبة، وإنهم يؤتون الصدقات كما يأمر الدين، وإن الناظر إليهم يخيل إليه أنهم يؤلفون أسرةً كبيرة واحدة يشد بعضها أزر بعض.
وإنهم، مع طابعهم الخاص، استطاعوا بفضل نباهتهم وإخائهم الديني وتسامحهم أن يلائموا بيئتهم وأن ينموا ويكثروا، وذلك خلافاً لدعاة الأديان الأجنبية الأخرى الذين أرادوا أن يكون لهم شأنٌ في الصين فلم يتقدموا خطوة حتى الآن.
ونشأ عما فطر عليه مسلمو الصين من التسامح والروح الحرة واحترامهم عادات الصين وشرائعها ومعتقداتها أن يتمتعوا بما للصينيين من الحقوق، وأن يكون منهم حكامٌ وقواد ومقربون من الإمبراطور.
أسهبت في هذا الفصل في بيان بعض المسائل التي أغفلها المؤرخون مع ما لها من الأهمية الكبرى في إيضاح ارتباط حوادث التاريخ، وتعد سجايا العرق الخلقية والذهنية أقوى العوامل في تطور الأمم، فالسجايا الخلقية التي تنتقل بالإرث هي التي تعين اتجاه السير، ولا يستطيع أحد أن يتخلص من سلطانها، وعالم الأموال هو الذي يملي على الأمة اتجاهها.
وفي الماضي تنضج عوامل سيرنا الحاضر، وفي الحاضر تنضج عوامل سير أبناء المستقبل، والحاضر، وهو عبد الماضي، سيد المستقبل، فيجب على من يرغب في معرفة المستقبل أن يدرس الحاضر.