إذن، كانت أمام دين محمد عوائق كثيرة اقتحمت بفضل عبقرية أصحابه الذين اختاروا خلفاء لم يفكروا في غير تنفيذ شريعة القرآن واحترامها، ولم يطعهم العرب في الظاهر، بل أطاعوا شريعة ذات مصدر إلهي لم يجادلوا فيه.
شكل ٣ - ١٠: قطعتان من نقود الملك الكامل ضربتا في أوائل القرن الثالث عشر من الميلاد، وعلى أحد وجهيها اسم الخليفة العباسي ببغداد.
وكان الخلفاء الأولون، وهم أبو بكر (٦٣٢ م - ٥٣٤ م) وعمر (٦٣٤ م- ٦٤٤ م) وعثمان (٦٤٤ م- ٦٥٥ م) وعلي (٦٥٥ م - ٦٦٠ م)، من صحابة محمد، وقد اقتدى هؤلاء الخلفاء بمحمد في زهده وبسيط عاداته، فلم يترك أبو بكر حين وفاته غير ثوبه الذي كان يلبسه، وبعيره الذي كان يركبه، ومولاه الذي كان يخدمه، ولم يأخذ من بيت المال في حياته سوى خمسة دراهم مياومة ليعيش بها، وكان عمر يلبس ثوباً مرقعاً، وينام على درج المسجد بين المساكين مع اقتسامه هو وجنوده مغانم كثيرة.
ولم ينتقل العرب من النظام الديمقراطي إلى النظام الملكي إلا بالتدريج، وكانت المساواة تامة في عهد الخلفاء الأولين، وكانت الشريعة للجميع على السواء، فمثل علي بين يدي القاضي لمقاضاة من اعتقد أنه سارق سلاحه، وأتي ملك غسان وقومه الذين اعتنقوا الإسلام مكة للاجتماع بعمر، ولطم عربياً وطئ إزاره واشتكى العربي إلى عمر، ورأى عمر العمل بما تأمر به الشريعة من إقامة الحد، فقال الملك: «كيف ذلك يا أمير المؤمنين،