وثابر بنو أمية على الفتح، وبلغت جيوشهم حدود الصين من الشرق والمحيط الأطلنطي من الغرب، وجاوز العرب مضيق جبل طارق في سنة? ? ? م، ودخلوا إسبانية، ووفقوا لنزعها من مملكة القوط النصرانية، وأقاموا فيها مملكة خضعت لسلطان العرب نحو ثمانية قرون.
ولم ينقض القرن الأول من الهجرة حتى كانت راية النبي تخفق من الهند إلى المحيط الأطلنطي، ومن القفقاس إلى الخليج الفارسي، وغدت إسبانية، التي هي إحدى الممالك النصرانية الكبرى في أوربة، خاضعة لشريعة محمد.
القرن الثاني من الهجرة: اتسع نطاق الفتوح العربية قليلاً في القرن الثاني من الهجرة، وأصبح هم العرب مصروفاً إلى تنظيم دولتهم العظمى على الخصوص، وتوغلت جيوشهم في بلاد الغول حتى اللوار حيث دحرها شارل مارتل، واستقروا بجنوب فرنسة إلى أن طردهم شارلمان منه نهائياً.
ونقل، في القرن الثاني من الهجرة، مقر الخلافة من دمشق إلى بغداد التي أنشأها المنصور في سنة ٧٦٢ م، بعد أن تمت الخلافة فيه لبني العباس (عم النبي) الذين هدموا دولة الأمويين في سنة ٧٥٢ م، وقتلوهم خلا طريد منهم استطاع أن يفر اتفاقاً، وأن يقيم دولة مستقلة في إسبانية سنة ٧٥٦ م.
واتسعت رقعة الدولة العربية منذ أوائل القرن الثاني من الهجرة، وبلغت من الحدود ما لم تقدر على مجاوزته باسطة حكمها من جبال البرنات وجبل طارق إلى الهند، ومن شواطئ البحر المتوسط إلى رمال الصحراء.
وصار معظم آسية خاضعاً لسلطان الخلفاء الممتد من جزيرة العرب إلى التركستان، ومن وادي كشمير إلى جبال طوروس، وعبدت بلاد فارس، وصار ملوك كابل وجميع أمراء وادي السند يعطون الجزية، وأضحى العرب في أوربة مالكين لإسبانية ولجزر البحر المتوسط، وأضحوا في إفريقية مالكين لشمالها ولمصر.
وانتهى دور الفتوح، وبدأ دور التنظيم، وحول الفاتحون نشاطهم إلى ميدان الحضارة، وكان عهد بني العباس الأولين عهد ازدهار الحضارة العرب في الشرق، وكان عهداً اقتبس العرب فيه ثقافة اليونان، فلم يعتموا أن أبدعوا حضارة ساطعة ازدهرت فيها الآداب والعلوم والفنون.
ونهضت الفنون والعلوم والصناعة والتجارة بسرعة في زمن هارون الرشيد (٧٨٦ - ٨٠٩) على الخصوص، وصار الشعراء والعلماء وأرباب الفن يشيدون بذكر