وكانت هذه الحملة الثامنة آخر الحملات الصليبية، وأدرك العالم النصراني بها أنه لا يزال عاجزاً عن قهر المسلمين، وعدل عن فتح فلسطين، وظلت الراية الإسلامية تخفق فوقها حتى الآن.
وبينما كان العرب يدفعون نصارى الغرب في أثناء الحروب الصليبية، ويخرجون منها ظافرين -ظهر في الشرق الأقصى عدو مخيف، فقد قذفت نجود التتر تيار المغول الذي انقض على آسية بقيادة جنكيز خان، واكتسح بلاد الصين وفارس والهند، ثم استولى المغول على بغداد في سنة ١٢٥٨ م، وقضوا على العباسيين الذين كان لهم السلطان منذ خمسمائة سنة.
وعلى ما بين الترك والمغول من شبه في الهمجية كان المغول أكثر استعداداً للثقافة، فالمغول وإن لم يكونوا أهلاً لإبداع حضارة جديدة كما أبدع العرب، استطاعوا أن ينتفعوا بحضارة العرب الذين، وإن زال ملكهم في الشرق، ظلت حضارتهم تهيمن عليه.
وانحصر سلطان العرب في مصر وإسبانية بعد أن تكمش أمام أولئك الفاتحين.
القرن الثامن من الهجرة: كان القرن الثامن من الهجرة حافلاً باقتتال الترك والمغول على ميراث العرب في الشرق، وقد دقت ساعة انحطاط هؤلاء الآخرين.
القرن التاسع من الهجرة: قضي على دولة العرب وحضارتها في إسبانية التي ملكوها نحو ثمانمائة سنة، وذلك أن فردياند استولى على عاصمة العرب الأخيرة غرناطة في سنة ١٤٩٢ م، وأنه أخذ يمعن في قتلهم وتشريدهم جماعات جماعات، وأن خلفاءه ساروا على سنته، وأنه قتل من العرب وشرد ثلاثة ملايين نفس، فخبت إلى الأبد شعلة حضارة العرب التي كانت تنير أوربة منذ ثمانية قرون.
وكانت خاتمة دولة العرب في القرن التاسع من الهجرة، ولم يبق للعرب في الشرق من الشأن الكبير في غير دينهم ولغتهم وحضارتهم، وحاولت الأمم التي قهرت العرب أن تسير على نحو العرب كما صنع البرابرة الذين قهروا الرومان، فأحلت الهلال باسم القرآن محل الصليب في القسطنطينية التي كانت عاصمة الروم، فارتعدت فرائص العالم النصراني فرقاً من ذلك.
ولكن الترك، وإن كانوا أهل حرب وقتال، لم يكونوا أهلاً ليصعدوا في سلم الحضارة، ولم يقدروا على الانتفاع بتراث العرب المغلوبين الثقافي، فضلاً عن إنمائه، ويقول العرب:«لا ينبت العشب على أرض يطأها الترك»، والحق أنه لم ينبت، فسترى