وبعلبك وأنطاكية وطبرية ونابلس والقدس وطرابلس وغيرها، وأكره القيصر على مغادرة سورية إلى الأبد بعد أن ملكها أسلافه منذ سبعة قرون.
وكان لفتح القدس دوي عظيم بين المدن التي استولى عليها المسلمون، وكان المسلمون يعلقون أهمية كبيرة على فتح هذه المدينة التي كانوا يقدسونها تقديس النصارى لها، ففيها توفي المسيح الذي هو عند المسلمين من أعاظم الأنبياء، وفيها الصخرة الشهيرة التي تخرج منها محمد في السماء.
هجم العرب على القدس بشدة كالتي أبديت للذب عنها، وحث البطرك صفرونيوس الحماة النصارى على الدفاع عن قبر الرب فلم يجد ذلك نفعاً تجاه القدر الذي قضى بأن تحل راية الإسلام محل الصليب فوق قبر يسوع، ورأي صفرونيوس أن يذعن بعد حصار دام أربعة أشهر، واشترط أن يتسلم الخليفة عمر القدس بنفسه فقبل ذلك، فركب عمر بعيراً، وغادر المدينة وحده تقريباً، ولم يأخذ معه من الزاد سوى قربة ماء وجراب شعير وأرز وتمر، وأغذ عمر في السير ليل نهار؛ ليصل إلى القدس في وقت قصير، فلما دخل القدس أبدي من التسامح العظيم نحو أهلها ما أمنوا به على دينهم وأموالهم وعاداتهم، ولم يفرض سوى جزية زهيدة عليهم.
وأبدى العرب تسامحاً مثل هذا تجاه المدن السورية الأخرى كلها، ولم يلبث جميع سكانها أن ترضوا بسيادة العرب، واعتنق أكثر أولئك السكان الإسلام بدلاً من النصرانية وأقبلوا على تعلم اللغة العربية، وظلت سورية بلداً عربياً إسلامياً كما كانت في أوائل الفتح العربي مع تداول كثير من الفاتحين لسيادتها بعد ذلك.
ولما توالت هزائم الروم في سورية استحوذ عليهم خوف عظيم من العرب الذين أمعنوا في ازدرائهم.
ومن الأدلة على ذلك الكتاب الآتي الذي أرسله عمر بن الخطاب إلى هرقل يطالبه فيه بإطلاق قائد عربي أسرة الروم في إحدى الوقائع:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله، من عبد الله عمر بن الخطاب إلى هرقل ملك الروم، أطلقوا الأسير المسلم، عبد الله بن حذافة، حين وصول كتابي هذا إليكم، فإن فعلتم ذلك رجوت من الله أن يهديكم الصراط المستقيم، وإن لم تفعلوا فإنني أبعث إليكم رجالاً لا تلهيهم تجارة ولا بيغ عن الجهاد في سبيل الله، والسلام على من اتبع الهدى.