ولم يلبث العرب، بعد أن تحرروا من المؤثرات الأجنبية، أن أصبح لعمارتهم من الأشكال والنقوش الخاصة ما صار من المتعذر معه خلطها بغيرها، وإن أمكن أن يرى شيءٌ من الأثر البيزنطي أو الفارسي أو الهندي في بعض زخارفها مع محافظة البناء في مجموعة على طابعه العربي».
ولكن إيداع فن عمارة جديد لا يكفي لجعله أفضل من غيره، فقد يكون الفن الذي ظهر قبله خيراً منه، فإلى هذا انتبه العلامة لوبون، وقال: «يكفي الإنسان أن ينظر إلى إحدى البنايات التي أقيمت في دور راقٍ من أدوار الحضارة العربية، مسجداً كان ذلك البناء أو قصراً، أو أن ينظر إلى ما صنع فيه من دواة أو خنجر أو جلد قرآنٍ؛ ليرى لهذه الآثار طوابع خاصةً لا يتطرق الوهم إليه في أصلها، والباحث في مصنوعات العرب، كبيرةً كانت أو صغيرة، لا يرى فيها أية صلة ظاهرة بمصنوعات أية أمة أخرى، فالإبداع في مصنوعات العرب تامٌ واضح ...
وتتجلى قوة الإبداع الفني في الأمم في سرعة تحويل ما ظفرت به من عناصر الفن، وجعله ملائماً لاحتياجاتها وابتكارها بذلك فناً جديداً، فإذا تحقق هذا لدينا علمنا أن العرب لم تسبقهم أمة ...
وما على المرء إلا أن ينظر إلى آثار العرب الأدبية والفنية؛ ليعلم أنهم حاولوا تزيين الطبيعة دائماً، وذلك لما اتصف به الفن العربي من الخيال والنضارة والبهاء وفيض الزخارف والتفنن في أدق الجزئيات.
والأمة العربية، قد رغبت بعد أن اغتنت (والأمة العربية أمة شعراء، وأيُّ شاعر لا يكون متفنناً) في تحقيق خيالاتها فأبدعت تلك القصور الساحرة التي يخيل إلى الناظر أنها مؤلفة من تخاريم رخامية مرصعة بالذهب والحجارة الكريمة.
ولم يكن لأمة مثل تلك العجائب، ولن يكون، فهي وليدة جيل فتيً مضى، وخيال خصب ذوى، ولا يطمعن أحدٌ في قيام مثلها في الدور الحاضر المادي الفاتر الذي دخل البشر فيه».
ولم يستطع العلامة لوبون أن يمنع نفسه، وهو المفكر الوقور، من التغني بآثار العرب، وإبداء ذلك في كل مناسبة، ومن ذلك قوله عن جامع الصخرة في القدس:«والمرء قد يفكر في تلك القصور السحرية التي يبصرها بخياله أحياناً، ولكن الخيال دون الحقيقة في أمر جامع عمر».
والخلاصة: أن لوبون رأى أن فنون العرب آية في الإعجاز، وأنها تورث العجب العجاب.