فن العمارة المصري القديم من الأدلة ما يكفي لإثبات ثبات الحضارة المصرية القديمة بتوالي القرون.
وكانت مصر، حين ظهور العرب على مسرح التاريخ طعمة للغزاة الفاتحين منذ قرون كثيرة، فقد استولى الإسكندر عليها في سنة ٣٣٢ ق. م، وطرد الفرس منها وأقام مدينة الإسكندرية فيها، ثم نادي أحد قواده، بطليموس سوتر، بنفسه ملكاً عليها في سنة ٣٠٤ ق. م، وملكت أسرة البطالمة مصر مدة ٢٧٤ سنة، وكان آخر من تولوا أمور مصر من تلك الأسرة الملكة كليوباترا الشهيرة، ولما هزم أكتافيوس كليوباترا وأنطونيوس في معركة أكسيوم في سنة ٣٠ ق. م، أصبحت مصر ولاية رومانية، ولما قسمت الدولة الرومانية على أثر وفاة ثيودوز في سنة ٣٩٥ م كانت مصر من نصيب دولة الشرق الرومانية، وظلت مصر تابعة لهذه الدولة حتى سنة ٦٤٠ م، أي السنة التي فتحها العرب فيها.
وداومت مصر في زمن البطالمة على تقاليدها القديمة، وعاشت فيه عيش رغد ورخاء، وصارت الإسكندرية فيه مركزاً تجارياً مهتماً وملجأ ثقافياً، وأقيمت فيه أبنية عظيمة على الطراز الفرعوني، كما تشهد بذلك بعض تلك الأبنية التي لا تزال قائمة في جزيرة الفيلة، فتعد مصدقة لما قلناه من انتحال جميع الفاتحين الجدد لتقاليد المصريين، وأنت إذا ما استثنيت المدن الإغريقية الرومانية التي أقيمت في مصر، كالإسكندرية مثلاً، لم تكد تشعر بأي تأثير كان لأولئك الغزاة في مصر.
وعندما أصبحت النصرانية دين دولة القسطنطينية الرسمي أمر القيصر ثيودوز، في سنة ٣٨٩ م، بهدم جميع تماثيل الآلهة المصرية القديمة ومعابدها وجميع ما يذكر الناس بها، واكتفى بتشويه كتابات المعابد المصرية التي كانت من المتانة بحيث لم يقدر على هدمها بسهولة.
ولا تزال مصر ملأى بأنقاض ذلك التخريب الذي أملاه التعصب، وتعد تلك الأعمال من أفظع ما عرفه التاريخ من أثر عدم التسامح والبربرية، ومن دواعي الأسف أن كان من بواكير أعمال ناشري الدين الجديد، الذي حل محل دين الأفارقة والرومان، هدم المباني التي احترمها أكثر الفاتحين منذ خمسة آلاف سنة.
وأدت هذه الأعمال الوحشية بسرعة إلى إمحاء الحضارة المصرية، وزوال دور الخط الهيروغليفي الذي حلت رموزه في الزمن الحاضر، وأكرهت مصر على انتحال النصرانية، وهبطت بذلك إلى دركات الانحطاط مقداراً فمقداراً إلى أن جاء العرب.