للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأراد الصليبيون أن يستريحوا من عناء تذبيح أهل القدس قاطبةً، فانهمكوا في كل ما يستقذره الإنسان من ضروب السكر والعربدة، واغتاظ مؤرخو النصارى أنفسهم من سلوك حماة النصرانية مع اتصاف هؤلاء المؤرخين بروح الإغضاء والتساهل، فنعتهم برنارد الخازن بالمجانين، وشبههم بودان الذي كان رئيس أساقفة دول، بالفيروس التي تتمرغ في الأقذار.

شكل ٨ - ٤: الحرم الشريف في القدس، وفيه ترى ساحة جامع عمر في الوقت الحاضر وساحة هيكل سليمان فيما مضى (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

وهاج العالم الإسلامي من استيلاء الصليبيين على القدس كما هاج العالم النصراني، ولاح، لوقت قصير، تضعضع نفوذ أتباع النبي الذي تأصل منذ خمسة قرون، وتناسى المسلمون جميع عوامل الانقسام الذي كان يفت في عضدهم مع ما أحدثه ذلك الاستيلاء من الذعر الكبير فيهم، وأغضى سلطان القاهرة عن منافسته لخليفة بغداد فتبادلا السفراء للبحث في عمل ما يجب لتلافي تلك المصيبة.

أجل، لقد خسر النصارى مليون رجل، ورب بعض أوربة في سبيل فتح القدس، وكان النصارى يرجون أن يحتفظوا بثمرة هذا الفتح العزيز، غير أن أملهم خاب، فلم يلبث المسلمون أن استردوا القدس، وعادت القدس إلى حظيرة الإسلام إلى الأبد.

واختير غودفروا ملكاً على القدس لشجاعته التي أقام الدليل عليها، ولكن الشجاعة لا تكفي لتنظيم دولة، فقد كان غودفروا عاجزاً عن إدارة شؤون دولته الفتية مع شدة بأسه، ثم مات غودفروا بعد زمن قليل، ولم يكن خليفته بودوان أقدر منه على تدبير أمور الحكم.

<<  <   >  >>