ديني، فلم يترك أولئك الصليبيون جرائم وحشيةً وضرباً من قطع الطرق وفضائح مزرية إلا اقترفوها»، وعزا سان برنارد ذلك الحبوط إلى ما ارتكبه هؤلاء الصليبيون من تلك المظالم.
وتم طرد الصليبيين من القدس على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي الشهير، وذلك أن صلاح الدين دخل سورية بعد أن أصبحت مصر وجزيرة العرب والعراق قبضته، وأنه غلب ملك القدس الأسيف غي دولوزينيان، وأسره، واسترد القدس في سنة ١١٨٧ م.
ولم يشأ السلطان صلاح الدين أن يفعل في الصليبيين مثل ما فعله الصليبيون الأولون من ضروب التوحش فيبيد النصارى على بكرة أبيهم، فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم مانعاً سلب شيء منهم.
قضي على مملكة القدس اللاتينية بعد أن عاشت ٨٨ سنة، ومرت سبعة قرون على تلك الحوادث من غير أن تخرج هذه المدينة المقدسة من أيدي أتباع محمد على الرغم من جميع الجهود التي قام بها العالم النصراني منذ ذلك الحين.
ولا نرى فائدة كبيرة في تاريخ الجهود غير المجدية التي قامت بها أوربة لاسترداد القدس، أي في تاريخ الحملات الصليبية الست الأخيرة، وإنما نكتفي بذكرها الخاطف.
ورئيس أساقفة مدينة صور في فنيقية، غليوم، هو الذي حرض أوربة على تجريد الحملة الصليبية الثالثة (١١٨٩ - ١١٩٢ م)، وقد قاد هذه الحملة الثالثة ملك فرنسة: فليب أوغست، وملك إنكلترة: قلب الأسد ريكاردس، وقيصر ألمانية: فريدريك بارباروس، أي أقوى ملوك أوربة.
فأما بارباروس: فقد مات في آسية الصغرى، حينما كان يغتسل في نهر البردان (قره صو)، ولم يصل سوى بقايا جيشه إلى سورية، وأما فيليب أوغست: فقد تعب سريعاً، وأبحر إلى صور بعد إقامة قصيرة بفلسطين تاركاً خلفه جيشاً مؤلفاً من عشرة آلاف مقاتل بقيادة أمير بورغونية، ولذا ظلت القيادة العليا في يد قلب الأسد ريكاردس الذي اقترف جرائم وحشية كالتي اقترفها رجال الحملة الصليبية الأولى.
وكان أول ما بدأ به ريكاردس هو قتله، أمام معسكر المسلمين، ثلاثة آلاف أسير مسلم سلموا أنفسهم إليه بعد ما قطع لهم عهداً بحقن دمائهم، ثم أطلق لنفسه العنان في اقتراف أعمال القتل والسلب.
وليس من الصعب أن يتمثل المرء درجة تأثير تلك الكبائر في صلاح الدين النبيل الذي رحم نصارى القدس ولم يمسهم بأذى، والذي أمد فليب أوغست وقلب الأسد