من مسلك ضيق مقبَّب يجلس فيه الخدم، وإذا ما انتهيت منه دخلت ساحةً كبيرة، وإن شئت فقل حديقةً مُفَرَّشَة بالرخام ومشتملة في وسطها على حوض محاط بأشجار الصفصاف والبرتقال والليمون والرمان وأنواع الرياحين التي تنشر شذاها داخل البيت، ويحيط بتلك الساحة أقسام البيت الصالحة للسكن، والتي يحتوي داخلها كل زخرف عجيب، والصورة التي التقطناها عن داخل أجمل قصور دمشق فنشرناها في فصل آخر أفصح دليل على ذلك، والوصف أعجز من أن يُصوِّر لنا ما لِسُقُفِهِ من الروافد الناتئة والأشكال الهندسية المجوَّفة التي نقش المتفننون أجمل النقوش العربية على خشبها الأرزي والحماطي، والوصف أعجز من أن يصور لنا، كذلك، رسوم قطعه الزجاجية العجيبة، وجُدُره المكسوة خطوطاً وكتاباتٍ، وأفاريزه المتدلية التي تربط السقف بجوانب حياطه.
وتقسم الردهة المهمة المرتفعة ارتفاع طبقتين في ذلك القصر إلى ثلاثة أقسام على العموم، وتحيط هذه الأقسام بساحة مبلطة، وتتوسط هذه الساحة فِسْقِيَّةٌ رخامية منقوشة مثمَّنَة الزوايا فوارة.
ويتألف رياش ذلك القصر من أريكة كبيرة مغطاة بالحرير المطرز بالذهب والفضة حول حياط ردهته، وتشتمل بقية أمتعته على متكآت ومقاعد صدفيةٍ ومشاكٍ مستورةٍ بالرخام والخشب الثمين والزجاج والميناء الفارسي؛ لتوضع فيها الأواني الصينية والفضة وفناجين القهوة المستقرة بظروف صغيرة مُخَرَّمة والنارجيلات والمباخر ... إلخ.
وينشد العربي الراحة في تلك الملاجئ الهادئة الساحرة العطرة التي يتخللها الرُّخاء ولا ينفُذ من نوافذها سوى ضياء قليل، ولا يعكر صفوها غير خرير ماء الحياض المرمرية، ويستطيع العربي الذي تحيط نساؤه به هنالك أن يطلق لخياله العنان فيُخيَّل إليه أنه انتقل إلى جنة محمد من خلال دخان نارجيلته.
ويختلف طراز البيوت العربية في الجزائر ومراكش بعض الاختلاف عن طراز بيوت العرب في دمشق، فقد استُبدلت القاعة فيها بالحدائق لضيق الاتساع، وتحيط بالقاعة أجزاء المسكن.
وإذا ما نظر الإنسان إلى تلك البيوت من الخارج رآها مكعباتٍ حجريةً بيضاً كبيرةً تعلوها سطوح، ويَنفُذ النورُ إلى أجزائها من قاعاتٍ محاطة بأقواس تقوم عليها طبقات من الأروقة التي تدخل الغرف منها، وهي مُبلطة بالآجر المطلي، ويغطي الميناء جدرانها، ويستر الخشب المحفور سقوفها من الداخل، ويتألف أثاثها من الحُصر والبُسُط ومن