المملوءة بالماء متطهِّراً بذلك من عناصره السامة قبل أن يصل إلى الأفواه، ويُبَلل التبغ، ويوضع في أعلى النارجيلات، وتوضع عليه نُوَيْرَاتٌ تحترق مع التنفس من أطراف تلك الأنابيب الأخرى، وتجد السيغارة شائعةً في الشرق، ويجهل الشرق السيغار.
والحشيش، الذي هو مادة مُسكِرة، من أهم وسائل اللهو والتسلية عند أمم الشرق منذ قرون، والفلاح الشرقي الحقير يصبح وقتما يتعاطاه سعيداً حيناً فلا يَرْضَى بحظ أعظم ملوك الأرض بدلاً من حظه، والشرقيون قد حَلُّوا بفضله مشكلة وضع السعادة في الزجاجة التي لا تَعْسُرُ حيازتها، وإذ لا يزال ذا شأن عظيم في حياتهم نرى من المفيد أن نقول كلمةً في خواصه: يُصْنَع الحشيش من القِنَّب الهندي كما يَعلم العالم، ويباع في القاهرة والقسطنطينية على العموم كَمُرَبَّبٍ وحلوى ومعجون ومُلَبَّس ... إلخ، ويُمْزَج، لتعديل خواصه، بجَوز القَيْءِ والزنجبيل والقرفة والقرنفل وما إلى ذلك، وكذلك بالذُّرَّاح على ما يقال.
ويظهر أن الحشيش كان معروفاً في القرون القديمة ولم يُستَخْرج التِّرياق، الذي حكى عنه أوميرس والمادة التي رَوَى ديودورس الصِّقِلِّيُّ أن نساء ديوسكوبوليس المصرية كن يُزِلْن بها هموم أزواجهن وغضبهم، من غير القِنَّب الهندي على ما يظن، ومما لا ريب فيه أن أمر الحشيش كان شائعاً في سورية أيام الحروب الصليبية.
وللأثر الذي ينشأ عن تناول الحشيش علاقة بحال الإنسان الروحية، وأرى أن أثره النفسي يُلَخَّص بأنه يُجسِّم الخيالات التي تجول في النفس، وأن هذه الخيالات تَشْتَدُّ وتُمزَج بالحقائق، فإذا كانت النفس طيبة غَرِقَت على العموم في بحر من الملاذِّ بما يلائم ما تبالي به من الأعمال عادةً، وعلى هذا الوجه يرى الشرقيون الذين يتناولون الحشيش بين حريمهم أنهم يُنْقَلون إلى ما في جنات محمد من حُور العِين مسحوري العيون برقص نسائهم مُشَنَّفِي الآذان بأغانيهنَّ.
ولم يُدْرس تأثير الحشيش، من الناحية العلمية، درساً كافياً مع ما يؤدي إليه درسه من النتائج الطريفة في علم النفس، وقد ذكرنا في كتاب نشرناه حديثاً عن تأثير الحشيش النفسي أنه ينشأ عن تعاطيه انفتاقُ شخصية الإنسان كما يحدث للسائر في النوم، فتقوم الذات غير الشاعرة التي تكون راقدةً في الأحوال العادية، والتي هي أساس حركة الإنسان بالحقيقة، مقامَ الذات الشاعرة، فيَفْقِدُ الإنسان كيانه، ويُحدِّث عن نفسه إلى شخص ثالث، ويبدو التغير في قوله وسلوكه وأخلاقه، وتظهر حقيقة أمره، وهنالك